كيف تؤثر العلاقة الاسرية على تحصيل الطالب

المخرج

كاتب جيد جدا
من حسنات سوسيولوجيا التربية، أنها قدمت لنا الكثير فيما يرتبط بعلاقة الأسرة بالمدرسة، و ضحدت وهم الإعتقاد بحياد المدرسة و براءة علاقتها بالأسرة. فالعديد من الدراسات في مجتمعات مختلفة أوضحت أن هناك علاقة ارتباطية بين مستوى الأسرة الإقتصادي، الثقافي و الإجتماعي و التحصيل الدراسي. فماهي هذه العلاقة؟ ما أشكالها، مستوياتها و أولوياتها الدينامية؟
العامل الإقتصادي
ويقصد به الوضعية المادية للأسرة من خلال أجرة الأفراد العاملين في الأسرة، و أي دخل آخر سواء كان فلاحيا أو عقاريا...
الأطفال الذين ينحدرون من أسر ميسورة و بمكانة إقتصادية لابأس بها يتميزون بقدرات عقلية و تحصيل دراسي لابأس به، ذلك أن الأسرة الثرية ماديا و الثرية بمثيراتها توفر أكبر قدر ممكن من الكتب ووسائل التعلم، رحلات، نزهات...و كلها أمور تساعد في إنماء تفكير الطفل و مداركه العقلية و بالتالي تحصيله الدراسي. دون أن ننسى أيضا ما توفره له من فرص اجتماعية بالإشتراك في النوادي الرياضية و المكتبات و التنقل عبر المدن و الأقطار... كلها عوامل و نشاطات تزيد من إمكانية التحصيل الجيد للطفل.
أما الأطفال الذين ينحدرون من بيئات ذات دخل اقتصادي ضعيف فينشؤون في ظروف صعبة ماديا و معنويا، و أكثر تشددا و حفاظا و امتثالا لما هو سائد من قيم اجتماعية. لهذا فإن الممارسات التربوية للوالدين المنتمين لهذه الفئة عادة ما تتميز بالقسوة و صرامة العقاب، و هو ما يؤثر بأثر سلبي على التحصيل الدراسي للطفل، و السبب في ذلك واضح، ذلك أن أرباب هذه الأسر همهم في الحياة هو السعي وراء قوتهم اليومي و لا يوجد وقت كافي لمتابعة شؤون أطفالهم التعليمية و المدرسية.
لاجدال إذن أن الفقر – باعتباره الحالة التي لا يكفي فيها دخل الأسرة لإشباع حاجاتها الأساسية المتغيرة للحفاظ على بنائها النفسي و المادي و الإجتماعي- نتائج خطيرة على صحة الطفل و نوع الثقافة السائدة في حياة الأسرة، و بالتالي التحصيل الدراسي للطفل أو التلميذ. و الفقر له تأثيير حتمي على العلاقات الأسرية، فمن خلاله يسوء التصرف و ينخفض المستوى الدراسي للأسرة و تنتشر أمراض سوء التغذية و الضعف العام، و قد تمكن "وزازو" أن يثبت أن " لاختلاف الوسط من التأثير على التعليم أكثر مما لاختلاف الوراثة".
كما أن مشكلة السكن من المشكلات التي تحول دون التحصيل الجيد للتلميذ، حيث يؤدي إلى نشأة التوتر الدائم بين أفراد الأسرة، و بالتالي الإنشغال بمشاكل بعيدة عن الدراسة تقلل قدرتهم على التركيز و بالتالي قدرتهم على مسايرة الدراسة بصورة طبيعية.
العامل الإجتماعي:
يقصد بالعامل الإجتماعي العلاقات السائدة داخل الأسرة و ما يطبعها من انسجام و توافق أو تفكك و اضطراب. و تشكل الأسرة الوسط القاعدي للعلاقات و التجارب الأولى للطفل، إذ هي الجماعة الوحيدة التي تتكون فيها عواطف من نوع خاص و مبنية على علاقات متينة: كالعلاقات بين الزوجين، و بين الزوجين و أطفالهما، و بين الإخوة بعضهم ببعض، فلا يمكن للطفل الحصول على ما يريده من حب و استقرار إلا باتجاه الوالدين، و الأسرة السليمة سيكولوجيا و سوسيولوجيا هي التي تعيش جوا اجتماعيا مفعما بعواطف المحبة و العطف و الحنان، مشبعا بالطمأنينة و التضامن؛ إنها شروط الإتزان الشخصي للطفل.
داخل الأسرة يكتسب الطفل الحب أو الكراهية، الإعتماد على النفس أو الإتكال على الغير، الإجتهاد أو الكسل...فبوجود الأم يتعلم الطفل الحب، و الحب ضروري لإنماء شخصيته، و غياب الحب يؤدي إلى اضطرابات عنيفة في سلوك الفرد و في علاقاته الإجتماعية. و بوجود الأب يتعلم الطفل الثقة بالنفس، و تتهيأ شخصيته لمواجهة مشاكل الحياة، و يتخد لنفسه مثلا عليا صالحة. و بوجود الأبوين معا في بيت واحد يتقوى اطمئنان الطفل، و تزيد ثقته في الحياة. و قد دلت الأبحاث السيكولوجية و الإجتماعية على أن الأطفال الذين يعيشون في حالة طلاق أو خصام مستمر بين الأبوين يفقدون الثقة في الحياة و تتكون لديهم عقد نفسية و تنعدم فيهم القدرة على الإبداع في جملة سلوكهم.
"مبارك ربيع" بين أثر العلاقة الوالدية على تكوين العواطف الإيجابية و السلبية لدى الأطفال، فالأبناء ينظرون إلى آباءهم كمثل أعلى لهم، و حين ينشب الصراع بين الوالدين أمام الأبناء ينعكس الوضع العام على الأسرة ككل، و يكون الأطفال أول من يتأثرون فتضطرب حياتهم الإنفعالية و تتولد لديهم مشاعر الخوف من المستقبل. و الطفل إذا حرم من الأبوين فإنه في بداية حياته معاق النفس و ربما تلحق الإعاقة بجسده أيضا، فيبدو له المجتمع حاقدا و يشعر بالذنب.
العامل الثقافي:
و هنا نتحدث عن حظ الآباء من التعليم الذي يدل على خبرتهم بالطرق التربوية التي تساعدهم على فهم أبنائهم و تنمية قدراتهم العقلية و بالتالي تحصيل دراسي جيد، لأن المستوى الثقافي عامة و التعليمي خاصة من أقوى المؤشرات المحددة لكفاءة الأسرة المعرفية و التي لها دور كبير في تعديل اتجاهاتها نحو تربية الطفل.
فالطفل في الوسط الأسري الحاصل على مستوى تعليمي لابأس به يرى والديه دائمي الإهتمام بالمجال الثقافي و العلمي و يرى إخوته دائما مهتمين بدراستهم و متفوقين فيها مما يدفعه إلى السير على نفس النهج و بذلك تصبح المدرسة و العملية التعليمية مرتبطة بالكبار من خلال التقليد و المحاكاة.
أما أبناء الفئة المحرومة ثقافيا " فهم لا يتوقعون مستقبلا من خلال الدراسة لأن أهلهم لا مستقبل لهم في نهاية الأمر، و يصبح الهم هو الآني، و الممكن هو النتائج المباشرة، فتكون انعكاسات هذا الواقع خطيرة على العملية المدرسية بما تفرضه من قيود و إرغامات حاضرة لقاء مستقبل بعيد، قد يكون مشرقا و قد لا يكون. و هكذا فحين تنعدم الضمانات الحالية يقع المستقبل في دائرة المجهول و يفقد بالتالي قدرته الدافعة في الحاضر نتيجة لتعطل عملية التوقع بعيدة المدى التي وحدها تسمح بتحمل العناء و بذل الجهد الذي لن يثمر إلا فيما بعد في زمن يطول باستمرار"(مصطفى حجازي، مجلة الفكر العربي، العدد 24 دجنبر 1981 ،ص 110). وفي مثل هذه الظروف ليس بمستغرب أن تكون المدرسة بالنسبة لهذا الطفل بمثابة عالم غريب عن أفكاره و توجهاته و ليست له أية صلة بحياته التي يعيشها داخل أسرته أو مع أصدقائه في الشارع.
في الأسرة ينشأ السلوك الأخلاقي للطفل، فيكتسب معاني الخير و الشر و ينشأ ضميره الأخلاقي و ينفتح على القيم الأخلاقية السامية كالمحبة و التضحية و التسامح و الأمانة و الصدق و التعاون بينه و بين إخوته و بينه و بين الناس عامة. و الأسرة التي تعيش في جو من الاطمئنان النفسي القائم على الإحترام المتبادل بين أعضاء الأسرة، تيسر لطفلها فرصة إنماء شخصيته و سلوكه الفردي و الإجتماعي.
و قد أكد العديد من علماء النفس أن الأسرة تلعب دورا متميزا في مراحل نمو الطفل- سيما في مراحله الأولى- بهذا المعنى فالتثقيف لدى الفرد خلال سنوات عمره المبكرة هو الوسيلة الأساسية المؤدية إلى الإستقرار الثقافي. فخبرات الطفل المبكرة إذن لها آثارها الواضحة على شخصية الفرد فيما بعد على اعتبار أن الأسرة هي أقوى الجماعات تأثيرا في سلوك الفرد و تكوين شخصيته.
العديد من الدراسات النفسية و التربوية أكدت أن التركيب الذهني لطفل الفئات المحرومة ثقافيا و اجتماعيا و اقتصاديا يتميز بفقر في اللغة يثنيه عن التفكير النظري المجرد، فالبيئة التي يعيشها هذا الطفل فقيرة ثقافيا بالنظر لأمية الوالدين، و لغويا لغياب الحوار بين أفرادها و يتم التواصل من خلال عبارات تفتقر إلى المرونة و يغلب عليها الطابع القمعي على شكل أوامر و نواهي و لوم و تحقير و تخجيل...
و قد حلل العالم اللغوي"برنستاين" ظاهرة الفقر اللغوي لدى أبناء الفئات المحرومة فتوصل إلى خلاصة مفادها أن اللغة المستعملة لدى هذه الفئات تتميز بنوع من القطيعة و التصلب و تظل مرتبطة بالواقع المحسوس و غياب العلاقات السببية. و يشير إلى أن أبناء هذه الفئة قلما يستعملون الصفات و المصادر و كلمات الوصل، و يتميز كلامهم بالتكرار و التردد.
و هكذا يفشل الطفل في التكيف مع المدرسة، و يوصم بأنه فشل سواء من طرف معلميه أو أسرته، و تنفجر الأزمة بهروبه من المدرسة ليجد نفسه في الشارع الذي يرى فيه الفضاء الذي يسمح له بتحقيق ذاته و التنفيس عما يعانيه من توتر و إحباط.
و عليه يمكن القول أن العوامل المؤثرة في التحصيل الدراسي للطفل متداخلة و متشابكة، منها ما يمكن إرجاعه للبيت أي نظرة الآباء و الأمهات إلى التعليم و مدى أهميته بالنسبة لهم، و منها ما يمكن إرجاعه إلى الظروف البيئية بصفة عامة، و يمكن تلخيصها كما يلي:
- الإمكانات المتاحة في البيت.
- نظرة الأسرة إلى أهمية التعليم.
- مكانة الأسرة الإجتماعية.
- المستوى الثقافي و الإقتصادي للأسر
 

مواضيع مماثلة

أعلى