أهمية وجود التفاؤل

قيثارة

كاتب جيد جدا
في منتصف الثمانينات، قامت شركة “مت لايف” للتأمين بتعيين الدكتور مارتن سليجمان لمساعدتها في تحسين عمليات التوظيف والتعيين، لأنها كانت تنفق مبلغاً ضخماً على تدريب وكلاء جدد، فقط لزيادة معدل العائد، فكان واحد من كل اثنين يترك الشركة خلال السنة الأولى.
الدكتور سليجمان طبيب نفسي درس التفاؤل وعلم النفس الإيجابي، لقد أنشأ اختباراً لفحص التفاؤل، وتابع مجموعة من المعينين الجدد بمؤسسة “مت لايف” (تقريبًا 15 ألف وكيل) خلال فترة سنة، وكانت النتائج مذهلة، إذ حصل الوكلاء- الذين كانت نتائج اختباراتهم مرتفعة نسبيا في التفاؤل – على نتائج جيدة في المبيعات عن نظرائهم المتشائمين بنسبة 21٪ في السنة الأولى، و57٪ في السنة التالية. وكان الأكثر إثارة، أن أفضل 10٪ من المتفائلين (وفقًا لأعلى درجات التفاؤل) باعوا 88٪ أكثر ممن كان ترتيبهم في نسبة الـ 10 % الأكثر تشاؤماً.
وفي دراسة أجريت عام 1995، استمر الدكتور سليجمان في مقارنة نتائج التفاؤل لأداء مندوبي المبيعات عبر عدد كبير من الصناعات، شملت التأمين، والمنتجات المكتبية، والعقارات، والخدمات المصرفية، ومبيعات السيارات. وكانت النتائج نفسها في جميع الدراسات لنتائج بيع المتفائلين، إذ فاقت المتشائمين بنسبة من 20 إلى 40 %.
إن الاعتقاد بأن المستقبل سيكون أفضل بكثير من الماضي والحاضر فيما يُعرف بالتفاؤل، ثابت في كل الأعراق و الأديان و الاقتصاد الاجتماعي. فأنت تتوقع التفاؤل في انتهاء موجة الأخبار السيئة و الصراعات العنيفة و البطالة المرتفعة، والأعاصير والفيضانات وجميع التهديدات التي تشكل حياة الإنسان، ولكن التفاؤل الخاص يكون حول مستقبلنا الشخصي، والذي يظل مرناً بشكل لا يُصدق .
يقول طالي شاروت في مقال حول علم التفاؤل نشرته مجلة تايم في عدد يونية 2011: “ولكي نحرز تقدماً يجب أن نكون قادرين على تصور الحقائق المتبادلة بوقائع أفضل، مع الإيمان بإمكانية تحقيقها، وهو ما يحفزنا لمتابعة أهدافنا، لأن المتفائلين بشكل عام يعملون لساعات أطول ويميلون إلى المكسب الأكبر”.
طبقاً لبحوث أكاديمية، ليس علينا أن نفاجأ بعلاقة الترابط بين التفاؤل والنجاح. ووفقاً لبحث أجراه أدريان فرنمان، أستاذ علم النفس في جامعة لندن بأن المتفائلين أكثر نجاحاً في العمل، مقارنة بغيرهم، ولكن يقابل ذلك معايير أخرى كالتعليم، والخبرة، والمهارات، إذ نجد أن الناس الأكثر سعادة يحصلون على وظائف أفضل، و يجدون أناسًا أكثر سعادة تعمل لهم، و يكون أداؤهم الوظيفي أفضل بكثير ويكسبون المزيد من المال. وهذه النتائج تحدث عبر وظائف مختلفة وفي بلدان مختلفة، بداية من رجال الأعمال الألمان إلى المزارعين الماليزيين، (ويصدق الشيء نفسه للباحث عن وظيفة المتفائل ) ، وقد بينت دراسات حديثة أنه يجب أن تكون متفائلًا بشأن الحصول على وظيفة، وإلا لن تفوز بها.
وخلص الباحثون بجامعتي دوك وييل إلى أن من لديهم نظرة متفائلة للحياة يكون لهم آفاق أفضل في الوظيفة عن أولئك ذوي النظرة التشاؤمية، وأن المتفائلين قضوا وقتاً و جهداً أقل في البحث عن وظائف و تلقوا عروضاً أسرع بكثير عن غيرهم. وذهبت الدراسة إلى القول بأن المتفائلين هم أيضًا أكثر ترجيحاً للترقي في العامين الأوليين من الوظيفة، وهو ما يعادل المزيد من الدولارات. وقد أجرى الدراسة كلٌ من رون كانيل وديفيد روبنسون بجامعة دوك بالتعاون مع كيد ماسي من كلية ييل للإدارة على 232 طالب ماجستير في إدارة الأعمال.
و يتوقع المتفائلون أن يعيشوا يومًا آخر رائعًا، ولقاءً مثمراً، يمكن أن يعزز أو يزيد من تناغم وهدوء الحياة الأسرية ،وهم عادة ما ينالون ذلك ؛لأنهم يتوقعون أن يفوزوا استنادًا إلى إيمانهم ؛ إذ يدركون أن الطاقة كلها تفيض من ذلك الينبوع .. وبدلًا من لعن الظلام ، يضيئون شمعة ، فالظلام يصيبنا جميعًا، وببساطة ليس هناك مفر من تلك الحقيقة ولكن بدلًا من الخوض في ذلك المكان المظلم عليك إضاءة شمعة إيمانك لتقودك للبيت .يقول جيسون فرسي : التبصّر ظاهرة مدهشة حقًا ؛ لأن نتائج أفكارنا ترتبط جذريًا بنتائج حياتنا؛ فما نفكر فيه غالبًا نجلبه إلينا ، ونستحوذ عليه، فما يغلب على تفكيرنا ، يبدو منحة لنا ، خيرًا كان أو شرًا .
أما المتشائم فلديه توقع دائم بأن القادم أسوأ ،أو يتوقع حالة صحية سيئة أو سوف يخسر وظيفته، ولأنه يتوقع عادةً هذه الظروف فغالبًا ما تحدث له .
ويقول فلورنس سكوفل شن : “وهذا يعني أن ما يتصوره الإنسان، عاجلًا أو آجلًا خارج شؤونه يحدث له. وأعرف رجلًا كان يخاف من مرض معين نادر جدًا ، لكنه كان يتصوره باستمرار حتى أصيب به , ثم مات بسببه .. لقد كان ضحية للخيال المشئوم”.
الهواجس الذهنية ( إيجابًا أو سلبًا ) غالبًا ما يكون لها أعراض فيزيقية .. فقد أصبحنا فيما نخاف منه ، ووصلنا لما كنا نشك فيه . واعلم أن التكهن بالاكتمال الذاتي يكسبك قوة كبيرة من الطاقة .
ينبغي لنا أن نتوقع الأفضل ، بغض النظر عن المنحنيات التي تلقيها لنا الحياة بين وقت وآخر .. علينا أن نتوقع المزيد من المال، وفرص عمل أفضل ، وصحة جيدة، وعلاقات محبة دافئة مع العائلة والأصدقاء ،فضلًا عن النجاح.
كيف يمكننا أن نفعل هذا؟ .. يقول الخبراء إن المرء إذا ناضل ليكون متفائلًا فسوف يكون كذلك ؛ أي يمكن أن يكون سلوكًا مكتسبًا ؛ لأن التفاؤل المكتسب فكرة (في علم النفس الإيجابي) ، وموهبة للفرح كأي موهبة أخرى، يمكن غرسها في الإنسان ، ويتناقض ذلك مع العجز المكتسب.
يقول جنيفر روبنسون ؛ كبير محرري مجلة جالوب للأعمال التجارية إن اكتساب التفاؤل يتم من خلال التحدي الواعي لأي حديث نفس سلبي.وفيما يلي بعض الطرق التي تتيح اكتساب التفاؤل:
انظر إلى المشاكل على أنها فرص، ودرب نفسك لتكون متفائلًا بالبدء في البحث عن الباطن المضئ المنبثق من كل مشكلة.. فعندما تواجه مشكلة أو خيبة أمل في حياتك انظر إليها على أنها فرصة، فاستخدمها بمثابة فتيل لإشعال التغيير في داخلك من خلال مهاجمة هذه المسألة بنتيجة إيجابية في الفكر. وعندما تواجه مشكلة تذكر أن الاحتكاك ضرورة؛ لأن سهولة الحياة تؤدي إلى ضمور إرادة الإنسان .. و تأتي قوتنا من بين نضالنا للعيش، و من بين محولاتنا لتحقيق الانتصار؛ إذ يخلق الاحتكاك منبرًا للتغيير، ويولد الحماس ، ويخلق مهمة حماسية تمنحنا فرصة لنكون أفضل… فلا يمكن تلميع جوهرة مصقولة دون احتكاك، و هكذا لا يمكن أن يصقل الشخص بدون صعوبات . إن الاحتكاك في الداخل و الخارج يشحذ حواسك ويحيي قراراتك الداخلية، بالرغم من أنه غير مريح ؛ لأن الصعوبات محزنة ولكنه ضروري، فلا يمكن إشعال عود الكبريت دون احتكاكه ولا يمكننا شحذ الحديد إلا بالاحتكاك ؛ لأن عدم الارتياح ربما يكون بسبب المحن التي نمر بها، و لكنها في نهاية المطاف تشحذ إرادتنا.
كن أقل قلقًا… وابقَ مستريحًا ، فقليل جدًا من القلق قد يساعدك في المواقف المختلفة ؛ لأنه مثل الجري في حلقة مفرغة ،كما يعطينا فرصة للعرق و لا يصل بنا إلى أي مكان ، وهو يؤدي إلى تشويه واقعنا، واختلال جهاز المناعة لدينا، ويزيد من احتمال الإصابة بمرض الشريان التاجي، ويبتلينا بمشاكل في الجهاز الهضمي .
خذ نفسا عميقًا، وركز طاقتك على الأشياء التي يمكن أن تتغير بدلًا من التركيز على الأشياء التي لا يمكن تغييرها ، فكما يقول جيسون فيرسي: “القلق هو عدو التفاؤل والتقدم الشخصي” . كن ودودًا أيًا كان الضغط الذي تشعر به لكي تتحمس للحياة .. وأدرك أنه لن يتحقق شيء عظيم في أي وقت دون التفاؤل، والعاطفة والحب، لا مهنيًا و لا شخصيًا؛ فلن نجد العظمة في وظائفنا، أو في زواجنا ، أو في أطفالنا، أو في صداقاتنا، ولا في النمو الروحي لدينا دون هذه العناصر الرئيسة الثلاثة.
أكدت الأبحاث أن 25٪ منا يذهبون بعيدًا في النوم ؛ لذلك فكر في رؤية الشروق القادم للشمس على أنه فرصة ثانية .. كن ممتنًا، يجب أن تستيقظ مع الشعور بالامتنان الحقيقي للحياة ليكون بداية جيدة لبقية اليوم .. لا تفقد هذا الشعور .. افعل ما لم تفعله أمس ، اغفر للناس ، انتهِ من ذلك العمل .. أغلق هذه الصفقة أو سلمها ببساطة لصديق وافعلها بتفاؤل و مودة و حب .. و مثلما جاء في المزامير الآيات 118:24 ” هذا اليوم صنعه الله .. فدعونا نبتهج ونفرح بما فيه”.
يقول نورمان فينسنت بيل : “فكّر مليا في الأشياء التي تقولها لنفسك.. علينا أن نعترف بأننا مهندسو تصوراتنا وواقعنا .. ودون هذا الفهم، نصبح ضحية للأشياء التي تحدث من حولنا، إن الطريقة التي نرى بها حياتنا هي التي تشكل حياتنا، فيجب أن يكون لدينا وسيلة داخلية لتعريف الحياة بدرجة كبيرة من التحديد لمصيرنا.. كيف نتصور المسائل الحقيقية بأنفسنا.. منظورنا الذاتي له قوة غير محدودة يمكن أن تولد النجاح أو الفشل، فإذا كنا نعتقد باستمرار أننا لسنا جيدين بما فيه الكفاية ..ولسنا قادرين بما فيه الكفاية.. ولسنا أذكياء بما فيه الكفاية، و لا نتمتع بالجمال و الموهبة بما فيه الكفاية ، حتى نحقق في الحياة ما تستحقه أنفسنا؛ فللأسف، لن نحققه أبدًا .. ما نظنه عن أنفسنا يشكل جوهر ما سوف نكون.. ازرع بذور التوقعات في عقلك .. قم بزراعة الأفكار التي تتوقع إنجازها .. آمن بقدرتك على تجاوز كل العقبات و نقاط الضعف”.
إن التفاؤل هو مفتاح الصحة الجيدة والسعادة ؛ إذ يكسبنا أعظم و أفضل الظروف ويساعدنا في التغلب على كل مشكلة نواجهها . و بغض النظر عما تقوله الدراسات والأبحاث حول كيفية كونك أكثر تفاؤلًا يساعدك على كسب المزيد من المال، فإنه في نهاية المطاف، لا يمكن لأحد حقًا أن يضع قيمة لوجود السلوك الفكري الإيجابي، تلك الثروة هي أبعد ما تكون جدًا عن القياس.
يقول ديفيد لاندس:” إن هذا العالم سوف يكون للمتفائلين ، أما التشاؤم فلا يقدم سوى مواساة فارغة لبعض الوقت”.
 

jarges

كاتب جيد جدا
دائما متميز في الانتقاء
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص احترامي
 

مواضيع مماثلة

أعلى