بعدما غيّب الظالمون أباه .. شاعر النيل :: هاشم الرفاعي

عبدالحي عداربه

كاتب جيد جدا
قادمٌ إلى الدنيا وقد غيّب الظالمون أباه
*****
أجل يا صغيري سيأتي الربيع .. ويأتي أثر نزول المطر ..
ربيع الحياة أحلى ربيع .. وأجمل منه ربيع النصر ..
نم يا صغيري .. نم يا صغيري ..
******
نم يا صغيري إن هذا المهد يحرسه الرجـــــــاء
من مقلة سهرت لآلام تثور مع المســــــــــــاء
فأصوغها لحناً مقاطعه تَأَجَّجت في الدمـــــــاء
أشدو بأغنيتي الحزينة ثم يغلبني البكـــــــــاء
وأمد كفي للسماء لأستحث خطى السمــــاء

نم لا تشاركنــي المــــــــــــرارة والمحـــــــــن
فلسوف أرضعــــك الجـــــــــراح مع اللبـــــــــن
حتى أنال على يديك مني وهبت لها الحيــــاة
يا من رأى الدنيا ولكن لم يرَ فيها أبـــــــــــــــاه

ستمر أعوام طويلـة في الأنين وفي العـــــذاب
وأراك يا ولدي قوي الخطو موفــــور الشبـــــاب
تأوى إلى أم محطمــــــــة مُغَضـَّنَةِ الإيهــــــاب
وهنا تسألني كثيراً عن أبيــــك وكيف غــــــاب
هذا ســــــؤال يا صغيري قــــد أُعد له جـــواب

فلئـــــن حييت فسـوف أســـــــــرده عليــــــك
أو مت فانظـــر من يُســـــــــِرُّ به إليــــــــــــــك
فإذا عرفت جريمـة الجاني وما اقترفت يــــــداه
فانثر على قبري وقبر أبيك شيئـاً من دمـــــــاه

غدك الذي كنا نؤَمل أن يصـــــــــاغ بالـــــــورود
نسجوه من نار ومن ظلم تدجــــج بالحديــــــد

أما حكايتنا فمن لون الحكايــــــات القديمـــــــــة
تلك التي يمضي بها التاريخ دامية أليمـــــــــــــة
الحاكم الجبار والبطش المسلح والجريمـــــــــــة
وشريعة لم تعترف بالرأي أو شرف الخصومـــــــة
ما عاد في تنورها لحضارة الإنسان قيمــــــــــــة

هو مشهد من قصة حمراء في أرض خضيبـــــــة
كُتبت وقائعها على جدر مضرجة رهيبـــــــــــــــة
قد شاهدها الطغيان أكفاناً لعزتنا السليبـــــــــة
مشت الكتيبة تنشر الأهوال في إثر الكتيبـــــــة
والناس في صمت وقد عقدت لسانهم المصيبـة

فلئـــــن حييت فسـوف أســـــــــرده عليــــــك
أو مت فانظـــر من يُســـــــــِرُّ به إليــــــــــــــك
فإذا عرفت جريمـة الجاني وما اقترفت يــــــداه
فانثر على قبري وقبر أبيك شيئـاً من دمـــــــاه
******​

ماذا قال البطل قبل الرحيل

مَلكنا هذه الدنيـــــا قرونا
وأخضعها جُدُودٌ خالدونا

و سطرنا صحائف من ضياء
فما نسيَ الزمــــان ولا نسينا

حملناها سيوفا لامعات
غداة الروع تأبى أن تلينا

إذا خَرَجَتْ من الأغماد يوما
رأيت الهَوْل و الفتح المبينا

وكنا حين يأخــــــذنا وَلِيٌّ
بطغيان ندوس له الجبينا

تفيض قلوبنا بالـــــهدي بأسا
فما نُغْضِي عن الظلم الجفونا

وما فَتِئَ الزمان يدور حتى
مضى بالمجد قــوم آخرونا

و أصبح لا يُرَى في الركب قومي
وقد عاشوا أئمـــــته سنـــــــــــينا

و آلمنــــي و آلم كـــــــــــــل حر
سؤال الدهر : أين المسلمونا ؟

تُرى هل يرجع الماضي فإني
أذوب لذلك المــــــاضي حنينا

بَنَيْنَا حقبة في الأرض ملكا
يُدَعِّمه شبـــــــاب طامحونا

شباب ذللوا سبل المعــــــــالي
وما عرفوا سوى الإسلام دينا

تعهدهم فأنبتهم نبــــــــــــاتا
كريما طاب في الدنيا غصونا

همُ وردوا الحياض مباركات
فسالت عندهم مــــــاء معينا

إذا شهدوا الوغى كانوا كماة
يدكون المعــــاقل و الحصونا

و إن جنَّ المساء فلا تراهم
من الإشفاق إلا ســــــاجدينا

شباب لم تحطمه الليــــــــالي
ولم يُسْلِمْ إلى الخصم العرينا

ولم تشهدهم الأقداح يوما
وما ملئوا نواديهم مجونا

وما عرفوا الأغاني مائعات
ولكن العلا صيــــــغت لحونا

و قد دانوا بأعظمهم نضالا
وعلما لا بأجــــرئهم عيونا

فيتحدون أخـــلاقا عذابا
ويأتلفون مجتمعا رزينا

فما عرف الخلاعة في بنات
ولا عرف التخــــنث في بنينا

و لم يتشدقوا بقشور علم
ولم يتقلبوا فــي الملحدينا

و لم يتبجحوا في كل أمر
خطير كي يقــال مثقفونا

كذلك أخرج الإسلام قومي
شبابا مخلصا حــــرا أمينا

وعلمه الكرامة كيف تُبْنَى
فيأبى أن يقيــــد أو يهونا

دعوني من أمان كاذبات
فلم أجد المنـــى إلا ظنونا

وهاتوا لي من الإيمان نورا
وقوّوا بين جنبي اليـــــقينا

أمد يدي فأنتزع الرواسي
و أبني المجد مؤتلقا مكينا
 

NOURALDEAN

قمر المنارة
رد: بعدما غيّب الظالمون أباه .. شاعر النيل :: هاشم الرفاعي

كذلك أخرج الإسلام قومي
شبابا مخلصا حرا أمينا


وعلمه الكرامة كيف تُبْنَى
فيأبى أن يقيد أو يهونا


دعوني من أمان كاذبات
فلم أجد المنى إلا ظنونا


و هاتوا لي من الإيمان نورا
و َقوّوا بين جنبي اليقينا


أمد يدي فأنتزع الرواسي
و أبني المجد مؤتلقا مكينا

</b></i>

وهاكذ هم الأبطال
مشكور أخي على النقل الرائع
سلمت يداك
 

روحs

كاتب جيد جدا
رد: بعدما غيّب الظالمون أباه .. شاعر النيل :: هاشم الرفاعي

أما حكايتنا فمن لون الحكايــــــات القديمـــــــــة
تلك التي يمضي بها التاريخ دامية أليمـــــــــــــة
الحاكم الجبار والبطش المسلح والجريمـــــــــــة
وشريعة لم تعترف بالرأي أو شرف الخصومـــــــة
ما عاد في تنورها لحضارة الإنسان قيمــــــــــــة
..


يعطيك الف عافية
..
احترامي

 

عبدالحي عداربه

كاتب جيد جدا
رد: بعدما غيّب الظالمون أباه .. شاعر النيل :: هاشم الرفاعي

نورا
روح
بارك الله فيكم
ويجزيكم الله تعالى الجنة
مروركم سعيد​
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: بعدما غيّب الظالمون أباه .. شاعر النيل :: هاشم الرفاعي

[frame="13 98"]

اخي عبد الحي
يسعدني المشاركة هنا
ليس برد وشكر فقط
بل باضافة ارجو ان تتقبلها
مع كل التقدير لطروحاتك الرائعة
وشخصك الكريم




هاشم الرفاعي (1353 هـ - 1378 هـ = 1935 - 1959م) شاعرمصري اسمه الحقيقي: سيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي، ولكنه اشتهر باسم جده هاشم لشهرته ونبوغه، وتيمنا بما عرف عنه من فضل وعلم وعرف بهذا الاسم وانطوى الاسم الحقيقي عنه.
ولد في بلدة أنشاص بمحافظة الشرقية بمصر. التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة (1366 هـ = 1947م)وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة (1375 هـ=1956م)ثم التحق بكلية دار العلوم سنة (1374 هـ=1955م). قتله جمال عبد الناصر قبل أن يتخرج سنة 1959م، وذلك لهجائه له في قصائده الشعرية وشكواه من تسلط عبد الناصر وأجهزته الأمنية، ومنها قصيدته مخاطبا لعبد الناصر:
نشأته

كان هاشم الرفاعي سليلاً لأسرة متدينة، وقد نشأ في بيت يُعنى بالعلم ويهتم بالتفقه في دين الله ويحرص على التربيةالإسلامية، وكان والده جامع شيخا لإحدى الطرق الصوفية المنتشرة في مصر، التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة 1947م وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة 1956م ثم التحق بكلية دار العلوم، ومن زملائه من أبناء الكلية الشاعر خالد محمد سليم، وقد لقي شاعرنا الله شهيداً قبل أن يتخرج سنة 1959م.
كان في مراحل دراسته كلها بارزاً بين زملائه، وبدأ يقول الشعر ولمّا يبلغ الثانية عشرة من عمره، ويقود الطلبة في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني والأوضاع الفاسدة السائدة في مصر وقتها، ومن شعره في تلك الفترة:
يا مصر قد عاثت بأرضك عصبة...باسم الصيانة والحماية أفسدوا
قتلوا شباب الجامعات وجندلوا...في النهر من بمياهه يستنجدُ
ماذا جنوا حتى أرقْتَ دماءهم...وبأي حق في المضاجع وسِّدوا

والخطاب في البيت الأخير موجه إلى الملك فاروق الذي أمر بإطلاق النار على الطلبة في مظاهرة كوبري عباس الشهيرة، وأمر بفتح الكوبري على المتظاهرين، فمن نجا من الغرق لم ينج من رصاص الشرطة، وفي واحدة من هذه المظاهرات أصيب هاشم الرفاعي برصاصة طائشة تركت أثراً في أعلى رأسه، وفُصِل من معهد الزقازيق الديني مرتين، كانت الأولى قبل قيام الثورة، وفي هذا يقول الشاعر:
يا فتية النيل الممجَّد إننانأبى ونرفض أن نساق قطيعاهذا "ابن نازلي" للهلاك يقودناجهراً ويَلقى في البلاد مطيعافإلى متى هذا الخنوع وإنهجرم أضاع حقوق مصر جميعابمثل هذا الحماس المتوقد كانت نفس شاعرنا تشتعل ثورة ضارية لم يستطع أن يكبتها، وأبت إلا أن تعلن عن نفسها في أكثر من موضع من شعره:
يا ثورة في ضلوعي *** وما لها من هجوعِ

إلام أقضي حياتي *** في ذلة وخضوعِ؟!

ظل شاعرنا هكذا حتى أشعلت ثورته ثورة أخرى عندما أُعلن عن قيام ثورة الضباط الأحرار في مصر بقيادة اللواء محمد نجيب الذي طرد الملك والإنجليز من مصر، واستقبل المصريونوالعرب جميعاً هذه الثورة بالفرحة الغامرة، وكان لشاعرنا الحظ الأوفر من هذه الفرحة، فجاءت قصائده في الإشادة بالثورة وبقائدها نجيب تترى:

أمل تحقق في البلاد عسيرُ**قد كان في خلد الفقير يدورُ
لمّا أعيد إلى الكنانة مجدها**وانجاب عنها الليل والديجورُ
بعث الإله إلى البلاد "نجيبها"**فتحطمت للمفسدين صخور
لا أرجع الرحمن أياماً مضت**كانت علينا بالشقاء تدور

رسالة في ليلة التنفيذ

أما أشهر قصائده على الإطلاق فتلك القصيدة التي تحدَّث فيها عن شهيد ينتظر إعدامه، يمرُّ فيها بمراحل انفعاليَّة مختلفة تصلُ ذروتها حينما يردِّد اسم أبيه في كل بيت من أبيات هذه القصيدة الرائعة "رسالة في ليلة التنفيذ". على الرغم من أن هذه القصيدة قد ألهمت الجماهير العريضة رُوح الحماسة ضدَّ أي طغيان، فإنها كانت نابعة من نفس تُؤمن بالله إيمانًا عميقًا، وتُصَوِّر للمتلقِّي هذه المعاني الربَّانيَّة الغالية، التي تربَّى عليها هاشم، والتي ظهرت جليَّة في شعره، فأصبحت "رسالة في ليلة التنفيذ" ملءَ السمع والبصر في كل مكان غابت فيه الحرِّيَّة، فخرجت هذه القصيدة نابعة صادقة يُرَدِّدها كلُّ صادق، وها نحن نردِّدها اليوم، يقول هاشم الرفاعي:
أبَتَاهُ ماذا قد يخطُّ بناني**والحبلُ والجلاَّد منتظرانِ
هذا الكتاب إليكَ من زنزانةٍ**مقرورة صخريَّة الجدرانِ
الليلُ من حولي هدوءٌ قاتـلٌ**والذكرياتُ تمور في وجداني
والنفسُ بين جوانحي شفَّافة**دَبَّ الخشوع بها فهزَّ كياني
قد عشتُ أومنُ بالإله ولم أذقْ**إلاَّ أخيرًا لذَّة الإيمانِ
والصمتُ يقطعه رنينُ سلاسلَ**عبثت بهن أصابع السجَّانِ
ما بين آونة تمُــرُّ وأختها**يرنو إليَّ بمقلتي شيطانِ
من كوَّةٍ بالباب يرقب صيده**ويعود في أمنٍ إلى الدورانِ
أنا لا أحسُّ بأيِّ حقد نحوه**ماذا جنى؟ فتمسُّه أضغاني
ويدورُ همسٌ في الجوانح ما الذي**بالثورة الحمقاء قد أغراني؟
أَوَلم يكن خيرًا لنفسي أن أُرى**مثلَ الجميع أسيرُ في إذعانِ؟
ما ضرَّني لو قد سكتُّ وكلَّما**غلب الأسى بالغتُ في الكتمانِ
هذا دمي سيسيل يجري مطفِئًا**ما ثار في جنبيَّ من نيرانِ
هذا حديثُ النفسِ حين تشفُّ عن**بَشَرِيَّتِي وتمورُ بعد ثوانِ
وتقولُ لي: إن الحياةَ لِغَايةٍ**أسمى من التصفيق للطغيانِ
أنفاسكَ الحرَّى وإنْ هِيَ أُخمدت**ستظلُّ تغمرُ أُفْقَهم بدُخَانِ
وقروحُ جسمك وَهْوَ تحت سياطهم**قسماتُ صبحٍ يتَّقيه الجاني
دمعُ السجين هناك في أغلاله**ودمُ الشهيد هنا سيلْتقيانِ
حتى إذا ما أُفْعِمَتْ بهما الرُّبَا**لم يبقَ غيرُ تمرُّد الفيضانِ
ومِنَ العواصف ما يكون هبوبها**بعدَ الهدوء وراحةِ الرُّبَّانِ

ثم يختم هذه القصيدة الرائعة، بمجموعة من الأبيات الرائعة، التي تُوَجِّه المسلم إلى ربِّه جلَّ وعلا، وأمُل فيها الشاعر أن ينتصر الضياء والحقُّ، ويرتفع العدل الذي يرجوه، والذي سيجده عند الله تعالى، فيقول:

هذا الذي سطَّرْتُهُ لكَ يا أبي**بعض الذي يجري بفكرٍ عانِ
لكنْ إذا انتصر الضياءُ ومُزِّقَتْ**بِيَدِ الجموع شريعةُ القُرصانِ
فلسوف يذكرني ويُكْبِرُ همَّتي**مَنْ كان في بلدي حليفَ هوانِ
وإلى لقاء تحت ظلِّ عدالةٍ**قدسيَّة الأحكام والميـزانِ

ولعلَّ من أبرز القصائد الإسلاميَّة في شعر هاشم الرفاعي قصيدة " شباب الإسلام " التي ذكَّر فيها بأمجاد الإسلام، وتاريخه العريق، وناقش فيها قضيَّة انحراف الشباب، ونبَّه من خلال هذه الأبيات إلى ضرورة النظر إلى المعايير الصحيحة للأخلاق والقيم والمُثُل، والتي يجب أنْ تُستقى من الكتاب والسُّنَّة النبويَّة الصحيحة، فقال:

مَلَكْنَا هذه الدنيا قرونَا**وأخضعها جدودٌ خالدونَا
وَسَطَّرْنَا صحائفَ من ضياءٍ**فما نَسِيَ الزمانُ ولا نَسِينَا
حملْنَاها سيوفًا لامعاتٍ**غداةَ الرَّوْع[2] تأبى أنْ تَلِينَا
إذا خَرَجَتْ من الأغماد يومًا**رأيتَ الهول والفتحَ المبينَا
وكنا حين يأخذُنَا وَلِيٌّ**بطغيانٍ ندوسُ لهُ الجبينَا
تفيضُ قلوبنا بالهديِ بأسًا**فما نُغضي عَنِ الظُّلْمِ الجفونَا
وما فتئ الزمانُ يدور حتى**مضى بالمجدِ قوم آخرونَا
وأصبحَ لا يُرَى في الرَّكْبِ قومي**وقد عاشوا أَئِمَّتَهُ سنينَا
وآلمني وآلمَ كلَّ حُرٍّ**سؤالُ الدهرِ أين المسلمونَا؟
تُرَى هل يرجعُ الماضي؟فإِنِّي**أذوبُ لذلكَ الماضي حنينَا
بَنَينا حِقبة في الأرض مُلْكًا**يُدَعِّمُهُ شبابٌ طامحونَا
شبابٌ ذلَّلوا سُبُلَ المعالي**وما عَرَفُوا سوى الإسلام دِينَ
اتَعَهَّدَهُم فأَنْبَتَهُمْ نباتًا**كريمًا طابَ في الدنيا غُصونَا
هُمُ وَرَدُوا الحياضَ مباركات**فسالتْ عندهم ماءً مَعينَا
إذا شَهِدوا الوغى كانواكُمَاةً **يدكُّونَ المعاقل والحصونَا
وإِنْ جَنَّ المساءُ فلا تراهمْ**مِنَ الإشفاق إلاَّ ساجدينَا[3]

ومن أعظم القصائد الإسلاميَّة التي نَظَمها هاشم الرفاعي وقالها قبل مقتله بأربعة أشهر فقط - في مارس من عام 1959م- قصيدة "أغنية أُمٍّ"، حيث تكلَّم عن محنة الإسلاميين في مصر، وفي العراق، ومحنة المسلمين في كل مكان، فتكلَّم في هذه القصيدة، عن مشاعر هذه الأُمِّ تجاه وليدها الذي أُعدم أبوه، فيتَّبع أسلوب التورية خوفًا من بطش الطغاة، ويتظاهر أنه يتحدث عن محنة العراق سنة 1959م، فيقول:

نمْ يا صغيري، إنَّ هذا المهدَ يحرسه الرجاءْ
مِنْ مُقلة سهِرَتْ لآلام تثورُ معَ المساءْ
فأصوغها لحنًا مقاطعه تأجَّجُ في الدماءْ
أَشْدُوا بأغنيتي الحزينة ثمَّ يغلبني البكاءْ
وأمدُّ كفِّي للسماءِ لأستحثَّ خُطا السماءْ
نَمْ لا تشاركني المرارة والمحنْ
فلسوف أرضعكَ الجراحَ مع اللبن
حتى أنالَ على يديكَ مُنًى وهبتُ لها الحياة


[/frame]
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: بعدما غيّب الظالمون أباه .. شاعر النيل :: هاشم الرفاعي

[frame="13 98"]

حياته الشعرية

يمكننا أن ندرك انقسام حياة هاشم الرفاعي الشعريَّة القصيرة إلى مرحلتين أساسيَّتَين:

الأولى: مرحلة وجوده في معهد الزقازيق الديني.

والثانية: مرحلة طلب العلم في كلية دار العلوم.

وإنْ لم يكن هناك فرق كبير واضح بين المرحلتين، فإنَّ هذا التقسيم التاريخي يمكن أن يفيد في فَهْمِ منطلقات الشاعر، والأُسس الفكريَّة التي بنى عليها قصائده، التي لم تتمايز فنِّيًّا على مستوى المرحلتين، مع الأخذ في الاعتبار أن نهاية المرحلة الأولى تزامنت تقريبًا مع قيام ثورة يوليو.

المرحلة الأولى: ويتَّضح فيها فنِّيًّا الاهتمام الشديد بغرابة اللغة غير المستخدمة، في نوعٍ من محاولة التأكيد على سيطرته على هذه اللغة، وكذلك في ناتج واضح للتأثُّر بالقراءات التراثيَّة المتعدِّدة، وهو ما أدَّى إلى أن تكون اللغة في حدِّ ذاتها هدفًا من الكتابة في بعض الأحيان، خاصَّة إذا لاحظنا محاولات الشاعر الدائمة للبحث عن هويَّة تراثيَّة، الأمر الذي تمثَّل في اعتماده على الأغراض التقليديَّة للشعر العربي.

إن غرابة اللفظ نعني بها هنا استخدامه لألفاظ شاعت في الجاهلية وشعرها، وقلَّ استخدامها بل اندثر أحيانًا، يقول:
إذا ما جنَّ ليلكمُ اجتمعتمْ *** وقد بسط الهناء لكم سبيلهْ
إلى أنْ تَقْطَعُوا في اللهو شطرًا *** من الليل الذي أرخى سدولهْ[1]

وهنا نلاحظ أنَّ الشاعر لم يستخدم فقط اللفظ الجاهلي "سدوله" بل إنه تجاوز في ذلك استخدام المعنى الذي ابتدعه امرؤ القيس كاملاً حين قال:
وليلٍ كموج البحر أرخى سُدُولَه *** عليَّ بأنواع الهموم لِيَبتلي[2]

ونلاحظ أن هذه السمة تتواتر في القصائد المكتوبة قبل عام 1953م، ففي هذه الفترة لم يكن هاشم الرفاعي قد أتمَّ السابعة عشرة من عمره، كما تتواتر في القصائد التي كتبها، في مناسبات دينية، فيقول في ذكرى المولد النبوي عام 1952م:
أولئك قوم عظَّم الله أجرهمْ *** فما وجدوا أشهى من الأجر مطلبَا
تَزَلْزَلَ مُلْكُ الروم تحت سيوفهمْ *** وخرَّت بلاد الفرس من وطأة الشَّبَا[3]

ويقول في القصيدة ذاتها:
فَقَوَّضَ عرشَ البغي في مصر وانثنى *** يريد بنا من حِنْدِس[4] الذُّلِّ مهربَا

إنَّ تَكرار هذه الظاهرة في كثير من قصائد هذه الفترة في حياة هاشم الرفاعي يجعل منها سمة، تشير بشيء غير قليل إلى تأثُّر شاعرنا بالمناخ الصوفي الذي تربَّى فيه، وبقراءاته التراثيَّة، ويمكن أن نُضيف إليها نزعته الحماسيَّة المتأثِّرة بحداثة السنِّ، إضافة إلى رؤيته لكلِّ الأمور السياسيَّة والاجتماعيَّة على أساس ديني وأخلاقي؛ ولعلَّ هذا ما يميِّز رؤية وإبداع هاشم الرفاعي عمومًا.

المرحلة الثاني: في المرحلة الثانية اتجه هاشم الرفاعي إلى كلية دار العلوم ودرس الأدب العربي والنقد على يَدِ صفوة ممَّن أسَّسوا لهذه العلوم في مصر؛ ومنهم: د. محمد غنيمي هلال، ود. أحمد الحوفي، ود. علي الجندي، ود. كمال بشر، كما ينصُّ في مذكِّراته، كما أنَّ هذه الفترة قد توازت مع النواتج القوميَّة لثورة يوليو وارتفاع النبرة الواقعيَّة في الأدب، وهنا تخلَّى شاعرنا عن كثير من إغراقه في الأشكال التراثيَّة، ليتَّجه إلى أشكال جديدة معبِّرة عن واقعه حسبما يراه، وكان ذلك على ثلاثة محاور:

- فمن حيث الألفاظ اتجه إلى الألفاظ السهلة والشائعة بين العامَّة، بما يعني إضفاء رُوح شعريَّة جماليَّة، مع عدم إهدار صحَّة اللغة واستقامتها كشرط أساسي للإبداع الشعري.

- ومن حيث الأوزان بدأ الشاعر في الاتجاه إلى التخلِّي عن الأشكال الخليليَّة للعروض القديم، محاولاً استخدام أنماط متباينة موسيقيًّا في القصيدة الواحدة، لكن مع عدم نفي العروض الخليليَّة تمامًا، وهو ما أدَّى إلى ظهور الرباعيَّات، والثنائيَّات، والقصائد التي تقترب موسيقيًّا من شكل الموشح الأندلسي.

- ومن حيث الموضوعات فإن الشاعر قد بدأ جزئيًّا في التخلي عن الأغراض القديمة في محاولة منه للاقتراب من نبض الشارع، وبدا مسايرًا للقضايا السياسيَّة في العالم العربي كله، وهو ما جعله يُفْرِدُ العديد من قصائده لثورة الجزائر والسودان، ونضال الشام عمومًا، بخلاف مسايرته للأحداث السياسيَّة المهمَّة في مصر مثل تأميم قناة السويس والجلاء.

ومن الواضح أنه لا يمكن الفصل تمامًا بين المرحلتين، نظرًا لقصر الفترة الزمنيَّة التي عاشها الشاعر؛ ولأنَّ سمات المرحلتين تتداخل دائمًا، وإنما كان التميُّز بينهما على أساس شيوع سمة ما في إحدى المرحلتين أكثر من الأخرى.

وعلى امتداد المرحلتين تُعَدُّ أهمَّ الروافد التي أثْرَتْ شاعرنا وأثَّرت فيه ملخصَّة في اتجاه أسرته الديني، وقرَّبه من مواقع الأحداث ومراكزها، يضاف إلى ذلك افتتانه منذ صغره بالريف المصري ذي الطبيعة الفطريَّة الأصيلة التي تجعل المتأمِّل بها قريبًا من لمس جوهر الأشياء بخفَّة ظلٍّ لا يتمتَّع بها إلاَّ الفلاَّح المصري الساخر الأسيانُ في آن واحد.

ويمكن أن نضيف إلى ذلك حبَّه لجلسات شاعر الربابة، الذي ظهر في حِفْظِهِ للسيرة الهلاليَّة وسيرة "عنترة بن شدَّاد"، وهو لم يزل بعدُ ابن عشر سنوات، وأهمُّ هذه الروافد هو إتمامه لحفظ القرآن الكريم في سنِّ ثماني سنوات، وهو ما أهَّله ليكون ذا لغة سليمة، مستقيمة، وإحساس مرهف بجماليَّات اللغة.

ولعلَّ قصر حياة الشاعر -حيث تُوُفِّيَ في الرابعة والعشرين من عمره- هو ما جعل الأسى يشتدُّ حين مقتله، فيَصِفُهُ شيوخ الأدب والشعر في عصره بصفات لا تستقيم إلاَّ لشاعر حقيقي، ويبقى وسامه الأكبر هو شاعريَّته التي استطاعت بشفافيَّتها أنْ تنفذ إلى المستقبل حين عالجت الواقع، فأشهر قصائد هاشم الرفاعي هي ملحمة "رسالة في ليلة التنفيذ"، التي يتحدَّث فيها على لسان مناضل عربي ضدّ الاستعمار يُحْكَمُ عليه بالإعدام لنضاله، وهي كذلك في مجمل معانيها تَصِفُ ما يمكن أن يقوله الشاعر عن نفسه بعد استشهاده[5].

شعره

في المرحلة المبكِّرة من عمر الشاعر نراه قد نَظَم مجموعة من القصائد قبل نهاية عام 1949م، أسماها "البراعم" ولم يكن قد تجاوز الرابعة عشرة من عمره، فتدلُّ هذه القصائد على شاعريَّته المبكِّرة، وفي عام 1948م كتب ستَّ قصائد هي: فلسطين، صور ساخرة، خيانة، صداقة، نهج البردة، أحزان، وفي عام 1950م نرى الشاعر ينظم ثلاثَ عشْرَةَ قصيدة، وقد بدأ النضوج الشعري عنده، وبدأت الرؤية الشعريَّة لديه تتَّضح، وبدأ قصائد عام 1950م بقصيدة تحمل عنوان "عزاء"، وفي عام 1951م نَظَم الشاعر عشرة قصائد، بدأها بقصيدة "الدستور الخالد" -القرآن الكريم- نُشرت في مجلة العالم الإسلامي الثقافيَّة.

وبداية من عام 1952م يبدأ الشاعر في إنتاجه الغزير، حيث تنوَّع شعره ما بين الأشعار الوطنيَّة وأشعار الطبيعة والربيع، ثم الذكريات الدينيَّة، وفي هذه الفترة كان هاشم الرفاعي يقضي أعوامه الدراسيَّة في معهد الزقازيق، وفي عام 1954م ثارت عواطف هاشم الرفاعي حينما رأى تدخُّل الحاكم في شئون الأزهر بحجة تطويره، فعقد هاشم الرفاعي وزملاؤه مؤتمرًا للطلاَّب بمعهد الزقازيق الديني الأزهري، قرَّر المؤتمرون فيه الإضراب عن الدراسة، حتى يُستجاب لمطالبهم بِعَدَمِ اختصار العلوم الشرعيَّة واللُّغويَّة، وقد قُبض عليه، وفُصل من الدراسة في المعهد مدَّة عام كامل، وبعد هذا التاريخ لم يذكر هاشم الرفاعي ثورة يوليو بشيء في شعره، ثم التحق بكلِّيَّة دار العلوم في عام 1956م، وفيها ظهر نبوغه الشعري، واختير الطالب المثالي لجامعة القاهرة، فانتُدب أكثر من مرَّة من قِبَلِ الوزير كمال الدين حسين[6] لإلقاء الشعر بمناسبة الوَحدة بين مصر وسوريا في أعوام 1958م، و1959م، ولم يَقُلْ هاشم الرفاعي إلاَّ ثلاث قصائد عن الثورة والجلاء في الفترة ما بين عامي 1954م إلى وفاته عام 1959م بطلبٍ من وزير التعليم كمال الدين حسين.

تنوَّع إنتاج هاشم الرفاعي الشعري، ما بين شعر وطني ينادي بالثورة على كل ما يقضُّ أمن مصر، بداية من إخراج الإنجليز ثم الكلام عن سلبيات الثورة، وشعر آخر يتحدَّث عن جمال الطبيعة وأيام الصبا في بلدته أنشاص الرمل، وغيرها من الميادين الشعريَّة الأخرى، ورغم أغراضه الشعريَّة المتفرِّعة، فإننا نجد شعر هاشم الرفاعي في مجمله مصبوغًا بالدعوة إلى الإسلام والجهاد والصحوة الإسلاميَّة وتذكير الشباب بتاريخ الإسلام والعرب، فأشعاره الوطنيَّة لا تخلو من ذلك، وكذلك أشعاره التي يدعو فيها إلى الوَحدة العربيَّة وإحياء اللُّغة العربيَّة، وأشعار المناسبات الدينيَّة وغير الدينيَّة كلها لا تكاد تخلو من الدعوة إلى إحياء الإسلام وتعاليمه في وجدان الشباب، والدعوة إلى الوَحدة الإسلاميَّة، واتخاذ الكتاب والسنة مصدرين أساسيَّين للتشريع، وهذا ما حَدَا الكثيرَ من كتَّاب الدعوة الإسلاميَّة إلى أن يضعوا هاشمًا في قمَّة الشعراء الداعين للعروبة والإسلام[7].

أثر البيئة في شعره

تأثَّر هاشم الرفاعي بكلِّ ما أحاط به، فشرع يكتب فيه؛ تأثَّر بالبيئة الريفية التي عاش بين ظاهرنيها، فكتب وصافًا إيَّاها، معبِّرًا عمَّا يمور في قلبه تجاهها، ولا ريب أن الشاعر الذي يتأثَّر بالطبيعة، فتغدو جداول مائها وتغريد طيرها، وانبساق أغصانها، ونور شمسها، وتلك المساحات الشاسعة الخضراء من أرضها، تغدو جزءًا لا يتجزَّأ من نفسه ووجدانه، وهاشم من هؤلاء الذين تأثَّروا بهذه البيئة المصريَّة النقيَّة، فكتب "في ظلال الريف" عام 1953م قائلاً:

أيام ألهو في الحقو *** ل فراشة أخذت تطيرْ
وأجرُّ في أرباضها *** ذيلَ الطفولة في سرورْ
ذاك الزمان مضى بهِ *** كرُّ الليالي والشهورْ
لا الطفل طفل في الحقو *** ل ولا الصغير بها صغيرْ[8]

شعره الإسلامي

امتد إنتاج هاشم الرفاعي الشعري إلى مجال السيرة النبويَّة حتى نبغ، فكتب تسع قصائد في أعوام مختلفة؛ تبدأ بعام 1948م وهو ابن الثالثة عشر عامًا بقصيدة "نهج البردة "حتى عام 1954م، وكلها قصائد مليئة بالصورة التعبيريَّة الصادقة والمادحة لرسول الله، تُبَيِّن في لوحات شعريَّة فيَّاضة سهلة التلقِّي ما حدث في حياة رسول اللهمن ميلاد، وبعثة، وهجرة، وإقامة الدولة، ثم وفاته، وفي قصيدته "الذكرى العاطرة" يُبَيِّن هاشم ذلك بقوله:

أمَّا الضعيفُ فمغبونٌ وليس لهُ *** في الأرضِ عونٌ يقيهِ شرَّ باغيها
والكلُّ يشربُ كأسَ الإثمِ في طربٍ *** وينثني حين يأتي مُنكرًا تيهَا
كانتْ مآثمُهمْ في عُرفهم مَرَحًا *** والقتلُ في شرعهمْ قد كان ترفيهَا
هذي مبادئهم أيامَ دَوْلَتِهمْ *** الزورُ ينشُرُها والإِثمُ يُمليهَا
حتى أضاءتْ بمولودٍ لآمنةٍ *** أرجاءُ مكَّة وانجابتْ دَياجيها
ومَنْ تتبَّع تاريخَ الهداةِ رأى *** فيهِ الجلالة في أسمى معانيها
ففي الطفولة يَلقى ما يمجِّدُها *** وفي الرجولةِ يلقى ما يُزكِّيها[9]

وأمَّا قصائد القضيَّة الإسلاميَّة فلها مكان لا ينفصم من قلب وبنان الشاعر، فالاستعمار المحيط بالوطن الإسلامي الكبير، كان له أكبر الأثر في إنتاج هاشم الإسلامي، فكتب ما يقرب من عشرين قصيدة كلها تحت راية الإسلام، فالأحداث التي قد يُعْتَقَدُ أنها قوميَّة تخصُّ قطرًا عربيًّا بعينه، أو قومًا قد اجتمعوا بمكان جغرافي، هذه الأحداث يعدُّها هاشم الرفاعي من صميم القضيَّة الإسلاميَّة، فكتب عن محنة اليمن، التي حدثت له بعد مقتل الإمام اليمني عام 1948م، وكتب عن أحداث العراق في عام 1954م، ثم كتب إلى الشرق والغرب الإسلامي؛ يستحثُّه للنهوض من هذه الكبوة التي طالت في سبتمبر من عام 1954م قائلاً:

أيقظ الشرق وهزَّ العربَا *** فبريقُ المجد في الشرق خَبَا
علَّ مَنْ عاشوا على الماضي الذي *** بذَّ في نَيْلِ الفخار المَغْربَا
يَسْتَعِيدون سَنَا مُلكٍ لهمْ *** قَدْ تَوَانَوْا عنهُ حتَّى ذَهَبَا
قفْ على بغدادَ واندبْ مَنْ بها *** رَفَعُوا للشَّرق ذِكْرًا طيِّبَا
وابْكِ في الأيَّامِ مَنْ قال وَقَدْ *** أَبْصَرَ الغيمَ تهادى صَيِّبَا
سِرْ يمينًا أو يسارًا إنَّ لي *** خَرْجَ هذا الماءِ أنَّى سَكَبَا[10]
ودمشقُ الأمس سلْهَا عن فتًى *** رَكِبَ الأمواجَ فيما رَكِبَا
أمويٌّ من بنيها باسلٌ *** ذاك مَنْ شقَّ العُبَابَ اللَّجبَا
ومضى للشاطئ الغربيِّ ما *** قدَّرَ المقْدَام أنْ ينقلبَا[11]

قصائده الوطنية

أمَّا صيحاته الوطنية فجليَّة كثيرة، بلغت هذه القصائد الوطنيَّة ما يقرب من ثمانية وعشرين قصيدة، منها قصيدة توزيع المِلْكِيَّة الزراعيَّة على صغار الفلاحين في مارس من عام 1954م، والتي يُصَوِّر فيها انقضاء عهد الإقطاعيَّة وبروز عهد جديد يستفيد فيه هؤلاء الفقراء، الذين طالما عانَوْا من جشع المُلاَّك، حتى أضحى ذلك الفلاَّح الصغير الأجير عندهم -في كثير من الأوقات- كأنه عبد من عبيدهم، فيُصَوِّر هاشم الرفاعي الفرحة العارمة التي استقبلها هؤلاء الفلاَّحون في هذه الأبيات الرائعة بقوله:

أملٌ تحقَّق في البلاد عسيرُ *** قد كان في خَلَد الفقير يدورُ
لما أُعِيدَ إلى الكنانةِ مجدها *** وانجاب عنها الليل والديجورُ[18]
وأطلَّ عهدٌ مشرق الجنبات قد *** سطعَ السنى بقدومِهِ والنورُ
غمرَ البلادَ بهاطلٍ من يُمْنِهِ *** وتدفَّقت للخيرِ فيه بُحُورُ
سجدتْ بلادُ النيلِ شاكرةً لهُ *** نِعَمَ الإلهِ.. وإِنها لكثيرُ[19]

وفي أكتوبر من عام 1954م كتب هاشم الرفاعي قصيدة "مصر بين احتلالين"؛ حيث أبرز فيها ما جاءت به الثورة من سلبيات جمَّة، وما قاله عن الحقيقة الخفيَّة من وراء هذا الجلاء، وما كان يفعله رجال الثورة في كثير من طبقات الناس في هذه الفترة الزمنيَّة، فقال[20]:

قالوا الجلاءَ فقلتُ حُلْمُ خيالِ *** لا تطمعوا في نيلِ الاستقلالِ
ليس الجلاءُ رحيلَ جيشٍ غاصبٍ *** إنَّ الجلاءَ تحطمُّ الأغلالِ
إنْ يتركِ الوادي الدخيلُ فإنَّنَا *** نحيا بمصر فريسةَ الإذلالِ
يا نيلُ إنَّ السَّيْلَ قد بلغ الزُّبى *** وغدتْ بلادُكَ دمية الأطفال
الشعبُ مشدودُ الإسارِ مُكَمَّمٌ *** يشكو القيودَ، وما لهُ من والِ
ولقد ظننَّا أننا في عهدهم *** سنزيحُ عنَّا مرهِقَ الأثقال
حتى تكشَّفَ للبلاد خداعُهم *** هيهات للظمآن ريُّ الآلِ[21]

وبعدُ، فإننا لن نستطيع أنْ نوفِّيَ هاشم الرفاعي حقَّه؛ فهذا الشابُّ الذي قُتل غِيلة وهو ابن الرابعة والعشرين من عمره، ترك ما يَزيد على 187 قصيدة شعريَّة قويَّة في موضوعها، جليَّة لدى المتلقِّي في تعبيراتها، آمَنَ بأفكارٍ إسلاميَّة، فَتَرْجَمَ ذلك في شعره، وجدَّد في شعره القضايا الإسلاميَّة المهمَّة التي كانت غائبة عن المجال الأدبي في عصره، ولعلَّه بعمره القصير قد حقَّق من المجد ما لم يحقِّقْه مَنْ بلغوا الثمانين أو التسعين -أو مَنْ زادوا على ذلك- من أعمارهم، ورغم هذا الإنتاج الفني الشعري المُحرِّك، فربما كان بيتٌ من أبياته الشعرية قاتلَـه!

وفاة هاشم الرفاعي

في ظروف غامضة اغتيلت العبقريَّة ممثَّلة في الشاعر هاشم الرفاعي في عام 1959م مطعونًا بيد آثمة ملطَّخة بالدماء في أنشاص، عندما استُدْرِجَ إلى شجار مصطنع، وهو في قمَّة العطاء، ولمَّا يبلغ الخامسة والعشرين من عمره، اتُّهِمَتْ بمقتله جهات أمنيَّة، أقامت له العزاء وأبَّنته لتنفي عن نفسها صفة قتل رجل كان من المتوقَّع له أن يكون أحد فرسان الكلمة في زمن التخاذل، حيث تُغْتَالُ الكلمة، ويُغتال معها الرجال المعبِّرون بصدق وأصالة عن وجدان الأُمَّة وضميرها، وقامت تلك الجهات بطبع ديوانه ووضع صورة رئيس ذلك النظام في صدر الصفحة الأولى؛ حتى لا يقال: إنَّهم قتلوا الصدق والإخلاص في رجلٍ كان له شأن في عالم الفنِّ والإبداع.


[/frame]
 

عبدالحي عداربه

كاتب جيد جدا
رد: بعدما غيّب الظالمون أباه .. شاعر النيل :: هاشم الرفاعي

بارك الله فيكم أُخية
سارة
ويسعدني أن أكون تلميذاً في مدرستكم
عفواً جامعتكم التاريخية المميزة على شبكة النت
وبما تذخر من أساتذة مفخرة لمنارة سوريا
بل فخراً لأمة ننتمي إليها
تحياتي لأستاذتنا ولمديرنا في منارتنا
وفققم الله لما حباكم من فضله
بحكمة وعلم وإدارة رائعة
وإلى الأمام لصناعة
الغد المشرق
 

مواضيع مماثلة

أعلى