دمع العيون
(حكاية وطـن )
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:white;border:5px double red;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
السلامـ عليكمـ و رحمة الله تعالى و بركاته
يعالج هذا البحث * قضية فلسطين في الشعر الجزائري, ويؤكّد أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية, بالرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي الغاشم منذ الاحتلال سنة (1830 م) وحتى الاستقلال سنة (1962 م) لأنَّ صلة الشاعر الجزائري بالمشرق العربي وقضاياه ومشاغله صلة وطيدة وعريقة, وتأتي قضية فلسطين في المقدمة , بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري, شعرا ونثرا, في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور : الوطنية, والعروبة, والوحدة العربية , وفلسطين .[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:white;border:5px double red;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن, كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية, وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي البغيض, فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني, وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله, وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة, بل عرف أخطر من هذا, محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود, وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين ب نكبة فلسطين, وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي.
وقد رافق الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي, وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها, وتابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان " وعد بلفور" سنة 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات, ثم رفضه لقرار التقسيم, وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب 1948 م, ونكسة 1967 م, ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين, وأبطال المقاومة, وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم.
لقد كتبَ شاعرٌ جزائريٌّ ناشِئٌ لم يذكر اسمه خوفا من رقابة الاستعمار الفرنسي البغيض المتصهين, قصيدة شعرية عن فلسطين في سنة 1930 م, حيث نشرها آنذاك بمجلة " الشهاب " الجزائرية التي كان يديرها العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, يصوّر فيها مشاعره النابضة نحو القدس وساكنيها, ويعبر فيها عن تعاطف الشعب الجزائري كله مع الشعب الفلسطيني الشقيق انطلاقا من إحساسه بخطر الاحتلال الصهيوني على قدس العروبة, يقول :
ناشـَدْتُكَ اللهَ ياقُـدْسَ العُروبَةِ لا *** تُقمْ حِسابًا, لِمَنْ قَـدْ رَامَ تَمْوِيَها
فَمَا طُموحُ يَهُـودِ الشَّرْقِ يَنْفَعُهُم *** وَلاَ يَنَالُـونَ إلاَّ الْمَقْتَ تَشْوِيهَا
يا أُمّةَ الْقُدْسِ, لا يُحْزِنْكَ مَطْمَحُهُم *** فَإنَّ لِلْقـُدْسِ رَبًّـا, هُوَ يَحْمِيهَا
أمَّا الْجَـزائِرُ, فَهي مِنْ مُصـابِكُم *** في حَر ِنارِ الأسَى, تَشْكُو لِبَارِيهَا
آهٍ عَلَى أُمَّـةِ الْقُدْسِ الَّتِي بَسَطَتْ *** لِلْجارِ إحْسَانَها, وأسأَلْ مُجِيِريهَا
آهٍ, عَلَى كـَأْسِ ذُلٍّ, وَهيَ تَرْشُفُها *** وعَنْ صِغَارِ كـآباتٍ تُقـاسِيهَا
وباستثناء الوزن المختل في بعض الأبيـات, فـإنَّ المقطَّعة تزخر بالمشـاعر الفيّاضَةِ, والإيحـاءات القومية النافذة
وفي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية, وكادت تقضي على النفوذ الأنجليزي والوجود الصهيوني؛ بدأت الثورة بإعلان الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين العربية تعبيرًا عن سخط الشعب الفلسطيني عن الانتداب البريطاني والدولة اليهودية المقترحة, وسرعان ما تحول الإضراب إلى ثورة علنية مسلحة, وتوافد المتطوعون من البلاد العربية المجاورة, واهتاج الرأي العام العربي في مختلف الأقطار العربية, وشعرت السلطات البريطانية بالخطر, فاستخدمت الدبابات والطائرات في قمع الثوار, وأخذت تنكل بالأحرار من أبناء فلسطين فأحس محمد العيد آل خليفة" بالخطر على هذا الجزء من الوطن العربي وأدرك أنَّ يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت لها فلسطين خفية مرة وعلنية أخرى, فكتب قصيدته (بني التايمز) التي يهاجم فيها الانجليز, ويتحسر على ما حلَّ بأولى القبلتين", يقول:
" بنَي التَّايْمز " قَدْ جُرْتُمْ كَثيرًا *** فهَلْ لكُمْ عَنِ الْجَـوْرِ ازْدجَـارُ ؟
أَفي أَسْـواقِكُمْ نَصبًـا وغَصْبًا *** تَسـومُ (القِبْـلَة) الأُولى التّجَـارُ
إِخَالُ (القِبْلَةَ) انْسَجرتْ دِمَـاءً *** كَمَـا لِلْبَحْـرِ باللُّجـج انْسِجـارُ
تَرَوْنَ لَهـَا سِوَى العَرَبّي أَهْـلاً *** وتَـأْبَى التُّرْبُ فِيهَـا والْحِجَـارُ
فَـلَيْسَ لَهَـا بِلاَ فَمِهِ لِسَـانٌ *** وَلَيْسَ لَهَـا بِـلاَ دَمِـهِ نِجــارُ
ألَمْ يُؤْلِمْـكُمُ حَـرَمٌ مُبـاحٌ *** وشَعْبٌ يَسْتـجِـيرُ ولا يُجــارُ
إِذَنْ فالحَـرْبُ لِلْعَـربّي دَأْبٌ *** وَهَلْ تَخْفَى (الْبَسُوسُ) أو (الْفِجارُ)
شَدَدْتُمْ قَهْـرَهُ فَعَـلاَ انْفِجارًا *** وعُقُـبَى شِـدَّةِ القَهْر ِ انْفِجـارُ
إنَّ هذا الإحساس بالخطر جعل الشاعر محمد العيد, كغيره من الشعراء العرب والمسلمين, يُحِسُّ بِهذا الاحساس العارم بالقدس وفلسطين وأرضها ونضالها, وبخاصة بعدَ أنْ بدأت خيوط المؤامرة تتضح والأطماع الصهيونية تكشر عن أنيابِها عندما دعت " لجنة بيل " إلى تقسيم فلسطين كحل وسط, أحس الشاعر بالكارثة, وتألَّمَ من هذا المشروع المبيت, وشعر بالخطر على " القدس " التي يقدّسُها ويَحْملُ لها في نفسه (كغيره من أبناء العرب والمسلمين) تقديرا خاصا لِمَا لَهَا من مكانة في النفوس, فتراه يتحدث في أسس عن " القدس " سنة 1937 م, ويؤكّدُ حقّ العرب فيها, يقول :
يا قِسْمَةَ القُدْسِ أَنْتِ ضِيزَى *** لم يَعْدِلْ القـاسِمونَ فِيكِ
مَضَوْا عَلى الحَيْفِ لَمْ يُبالُوا *** بِمَا جَـرَى مِنْ دَمٍ سَفيكِ
القُدْسُ لِلْعُربِ مِنْ زمـانٍ *** لَمْ يَقْبَلُـوا فيهِ مِنْ شريكِ
قَـدْ سامَهُ الأجْنَبُّي خَسْفًـا *** وهَـدَّ مِنْ رُكْنِهِ السَّمِيكِ
يا (لُنْدُرة) لـَوْدَرى بَنُونَـا *** لم يَأْمَنُوا الْغَـدْرَ مِنْ بَنيكِ
إخالُ شَعْبَ الْيَهُـودِ سـِرًّا *** سَبَاكِ بِالْعَسْجَـدِ السَّبِيكِ
أَهَكَـذَا تَفْصـِلُ الْقَضـاءِ *** بِحُكْمِهـا لَجْـنَةُ الْمَلِيكِ ؟
قَـدْ دَلَّ طُغْيانُ انْكِـلتْـرَا *** عَلَى فَـناء ٍ لَها وَشِيـكِ
وفي سنة 1938 م نظم الشاعر قصيدته الموسومة بـ (يا عام), ونشرها في مجلة الشهاب الجزائرية يناجي فيها هذا العام ويستنطقه عن فلسطين, ويتحدّث فيها عن القضية العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, وما يجري فيها من مظالم ومآس يَمجُّهَا الذَّوق السليم, يقول:
يَا عـامُ هَلْ فِيكَ خَيرٌ *** لِلْمُسْلِمـينَ يُرَجَّـى
أَخُـوكَ يَا عـامُ فِيه *** لَيْلُ الْمَظَـالِم دَجَّى
صبَّ الأذَى فِيهِ صَبَّا *** فَرُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّـا
ألَمْ تَـرَ الشّـرْقَ فِيهِ *** من المظَـالِم دَجَّـى
سِيمَتْ فلَسْطِينُ خَسْفًا *** عَجَّ الحِمَى مِنْهُ عَجَّـا
هَذا عن الأَهْل أُقْصِي *** وذَاكَ فِي السّجْنِ زُجَّا
وَفي الشّمـالِ هَنَاتٌ *** يَمُجُّهَا الذَّوْقُ مَجَّـا
والشَّرقُ وَلهانُ يَرْجُو *** أنْ يَسلكَ الأمْن فَجَّا
يـودُّ إقْنَـاعَ خَصْمٍ *** في غَمْطِه الحَقِّ لَجَّـا
ويَبْتَغـِي رَدْعَ جـانٍ *** وجْهَ الْعَدالةِ شَجَّـا
ومن اللافت للنظر في هذه الأبيات أنَّها تنطبق حتى على وقتنا الحاضر, فهناك من لايزال يؤمن بِهذا الطريق الذي سلكه الجيل الماضي في مسالمتهم للاستعمار والصهيونية من الحكام العرب... وكأنَّ الشاعر تنبأ بِما يجري الآن, فيخاطب الحاضر في الماضي"
وفي ختام القصيدة يتوجه الشـاعر بالحديث إلى ذلك العام, وهو لا يرجـو منه الشئ الكثير, لأنَّه أشبه بالطفل الذي لا يُفصح عمّا في نفسه, مثلما كان الأمر بالنسبة للأعوام السابقة عليه , يقول :
يَاعَامُ أشْبَهْتَ طِفلاً *** بالأبْجَـدِيَةِ هَجَّـا
هَلْ يَبْلُغُ الشَّطَّ أمْرٌ *** كالْفُلْكِ فِيكَ يُزَجَّى؟
وَهَلْ نُنَجَّى قَرِيبًّـا *** مِنَ الأَذَى هَلْ تُنَجَّى؟
يتبع .../...
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
السلامـ عليكمـ و رحمة الله تعالى و بركاته
يعالج هذا البحث * قضية فلسطين في الشعر الجزائري, ويؤكّد أنَّ الشعراء الجزائريين لم يكونوا معزولين عن قضايا أُمتهم العربية, بالرُّغم من الجدار الحديدي الذي ضربه حولهم الاستعمار الفرنسي الغاشم منذ الاحتلال سنة (1830 م) وحتى الاستقلال سنة (1962 م) لأنَّ صلة الشاعر الجزائري بالمشرق العربي وقضاياه ومشاغله صلة وطيدة وعريقة, وتأتي قضية فلسطين في المقدمة , بِحيث لا نغالي إذا قلنا إن النتاج الأدبي الجزائري, شعرا ونثرا, في القرن الماضي دار في معظمه حول ثلاثة محاور : الوطنية, والعروبة, والوحدة العربية , وفلسطين .[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;background-color:white;border:5px double red;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
ولسنا في حاجة إلى أن نعدّدَ الروابط التي تربط بين فلسطين والجزائر منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن, كما أنَّه لا حاجة بنا إلى أن نقارن بين واقع فلسطين بعد أن تآمر عليها الاستعمار والصهيونية العالمية, وبين الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي البغيض, فكلاهما عرف الاستعمار الاستيطاني, وذاق الإرهاب بِشَتَّى صوره وأشكاله, وتعرّضَ لِمُحَاولات القضاء على مقوماته الأصلية من لغة ودين وتاريخ وحضارة, بل عرف أخطر من هذا, محاولة إلغاء كيانه ومحوه من الوجود, وهذا هو ما يفسر اهتمام الشعراء الجزائريين ب نكبة فلسطين, وكان إحساسهم حادا عنيفا ضد الاستعمار والصهيونية والتسلط والغزو الأجنبي.
وقد رافق الشعر العربي الجزائري قضية فلسطين منذ ظهورها على المسرح العالمي في العشرينيات من القرن الماضي, وكان الشعراء يستغلون كل مناسبة لتأييدها, وتابعوها في جميع مراحلها وأطوارها المختلفة منذ إعلان " وعد بلفور" سنة 1917 م, مرورًا بانتفاضات الشعب الفلسطيني في الثلاثينيات, ثم رفضه لقرار التقسيم, وقد وقف شعراء الجزائر إلى جانب فلسطين والعرب أثناء حرب 1948 م, ونكسة 1967 م, ثم تجاوبوا مع انتصارات الثوار الفلسطينيين, وأبطال المقاومة, وأطفال الحجارة بعد ذلك حتى اليوم.
لقد كتبَ شاعرٌ جزائريٌّ ناشِئٌ لم يذكر اسمه خوفا من رقابة الاستعمار الفرنسي البغيض المتصهين, قصيدة شعرية عن فلسطين في سنة 1930 م, حيث نشرها آنذاك بمجلة " الشهاب " الجزائرية التي كان يديرها العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين, يصوّر فيها مشاعره النابضة نحو القدس وساكنيها, ويعبر فيها عن تعاطف الشعب الجزائري كله مع الشعب الفلسطيني الشقيق انطلاقا من إحساسه بخطر الاحتلال الصهيوني على قدس العروبة, يقول :
ناشـَدْتُكَ اللهَ ياقُـدْسَ العُروبَةِ لا *** تُقمْ حِسابًا, لِمَنْ قَـدْ رَامَ تَمْوِيَها
فَمَا طُموحُ يَهُـودِ الشَّرْقِ يَنْفَعُهُم *** وَلاَ يَنَالُـونَ إلاَّ الْمَقْتَ تَشْوِيهَا
يا أُمّةَ الْقُدْسِ, لا يُحْزِنْكَ مَطْمَحُهُم *** فَإنَّ لِلْقـُدْسِ رَبًّـا, هُوَ يَحْمِيهَا
أمَّا الْجَـزائِرُ, فَهي مِنْ مُصـابِكُم *** في حَر ِنارِ الأسَى, تَشْكُو لِبَارِيهَا
آهٍ عَلَى أُمَّـةِ الْقُدْسِ الَّتِي بَسَطَتْ *** لِلْجارِ إحْسَانَها, وأسأَلْ مُجِيِريهَا
آهٍ, عَلَى كـَأْسِ ذُلٍّ, وَهيَ تَرْشُفُها *** وعَنْ صِغَارِ كـآباتٍ تُقـاسِيهَا
وباستثناء الوزن المختل في بعض الأبيـات, فـإنَّ المقطَّعة تزخر بالمشـاعر الفيّاضَةِ, والإيحـاءات القومية النافذة
وفي عام 1936 م قامت الثورة الفلسطينية, وكادت تقضي على النفوذ الأنجليزي والوجود الصهيوني؛ بدأت الثورة بإعلان الإضراب العام في جميع أنحاء فلسطين العربية تعبيرًا عن سخط الشعب الفلسطيني عن الانتداب البريطاني والدولة اليهودية المقترحة, وسرعان ما تحول الإضراب إلى ثورة علنية مسلحة, وتوافد المتطوعون من البلاد العربية المجاورة, واهتاج الرأي العام العربي في مختلف الأقطار العربية, وشعرت السلطات البريطانية بالخطر, فاستخدمت الدبابات والطائرات في قمع الثوار, وأخذت تنكل بالأحرار من أبناء فلسطين فأحس محمد العيد آل خليفة" بالخطر على هذا الجزء من الوطن العربي وأدرك أنَّ يد بريطانيا وراء كل مؤامرة تعرضت لها فلسطين خفية مرة وعلنية أخرى, فكتب قصيدته (بني التايمز) التي يهاجم فيها الانجليز, ويتحسر على ما حلَّ بأولى القبلتين", يقول:
" بنَي التَّايْمز " قَدْ جُرْتُمْ كَثيرًا *** فهَلْ لكُمْ عَنِ الْجَـوْرِ ازْدجَـارُ ؟
أَفي أَسْـواقِكُمْ نَصبًـا وغَصْبًا *** تَسـومُ (القِبْـلَة) الأُولى التّجَـارُ
إِخَالُ (القِبْلَةَ) انْسَجرتْ دِمَـاءً *** كَمَـا لِلْبَحْـرِ باللُّجـج انْسِجـارُ
تَرَوْنَ لَهـَا سِوَى العَرَبّي أَهْـلاً *** وتَـأْبَى التُّرْبُ فِيهَـا والْحِجَـارُ
فَـلَيْسَ لَهَـا بِلاَ فَمِهِ لِسَـانٌ *** وَلَيْسَ لَهَـا بِـلاَ دَمِـهِ نِجــارُ
ألَمْ يُؤْلِمْـكُمُ حَـرَمٌ مُبـاحٌ *** وشَعْبٌ يَسْتـجِـيرُ ولا يُجــارُ
إِذَنْ فالحَـرْبُ لِلْعَـربّي دَأْبٌ *** وَهَلْ تَخْفَى (الْبَسُوسُ) أو (الْفِجارُ)
شَدَدْتُمْ قَهْـرَهُ فَعَـلاَ انْفِجارًا *** وعُقُـبَى شِـدَّةِ القَهْر ِ انْفِجـارُ
إنَّ هذا الإحساس بالخطر جعل الشاعر محمد العيد, كغيره من الشعراء العرب والمسلمين, يُحِسُّ بِهذا الاحساس العارم بالقدس وفلسطين وأرضها ونضالها, وبخاصة بعدَ أنْ بدأت خيوط المؤامرة تتضح والأطماع الصهيونية تكشر عن أنيابِها عندما دعت " لجنة بيل " إلى تقسيم فلسطين كحل وسط, أحس الشاعر بالكارثة, وتألَّمَ من هذا المشروع المبيت, وشعر بالخطر على " القدس " التي يقدّسُها ويَحْملُ لها في نفسه (كغيره من أبناء العرب والمسلمين) تقديرا خاصا لِمَا لَهَا من مكانة في النفوس, فتراه يتحدث في أسس عن " القدس " سنة 1937 م, ويؤكّدُ حقّ العرب فيها, يقول :
يا قِسْمَةَ القُدْسِ أَنْتِ ضِيزَى *** لم يَعْدِلْ القـاسِمونَ فِيكِ
مَضَوْا عَلى الحَيْفِ لَمْ يُبالُوا *** بِمَا جَـرَى مِنْ دَمٍ سَفيكِ
القُدْسُ لِلْعُربِ مِنْ زمـانٍ *** لَمْ يَقْبَلُـوا فيهِ مِنْ شريكِ
قَـدْ سامَهُ الأجْنَبُّي خَسْفًـا *** وهَـدَّ مِنْ رُكْنِهِ السَّمِيكِ
يا (لُنْدُرة) لـَوْدَرى بَنُونَـا *** لم يَأْمَنُوا الْغَـدْرَ مِنْ بَنيكِ
إخالُ شَعْبَ الْيَهُـودِ سـِرًّا *** سَبَاكِ بِالْعَسْجَـدِ السَّبِيكِ
أَهَكَـذَا تَفْصـِلُ الْقَضـاءِ *** بِحُكْمِهـا لَجْـنَةُ الْمَلِيكِ ؟
قَـدْ دَلَّ طُغْيانُ انْكِـلتْـرَا *** عَلَى فَـناء ٍ لَها وَشِيـكِ
وفي سنة 1938 م نظم الشاعر قصيدته الموسومة بـ (يا عام), ونشرها في مجلة الشهاب الجزائرية يناجي فيها هذا العام ويستنطقه عن فلسطين, ويتحدّث فيها عن القضية العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, وما يجري فيها من مظالم ومآس يَمجُّهَا الذَّوق السليم, يقول:
يَا عـامُ هَلْ فِيكَ خَيرٌ *** لِلْمُسْلِمـينَ يُرَجَّـى
أَخُـوكَ يَا عـامُ فِيه *** لَيْلُ الْمَظَـالِم دَجَّى
صبَّ الأذَى فِيهِ صَبَّا *** فَرُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّـا
ألَمْ تَـرَ الشّـرْقَ فِيهِ *** من المظَـالِم دَجَّـى
سِيمَتْ فلَسْطِينُ خَسْفًا *** عَجَّ الحِمَى مِنْهُ عَجَّـا
هَذا عن الأَهْل أُقْصِي *** وذَاكَ فِي السّجْنِ زُجَّا
وَفي الشّمـالِ هَنَاتٌ *** يَمُجُّهَا الذَّوْقُ مَجَّـا
والشَّرقُ وَلهانُ يَرْجُو *** أنْ يَسلكَ الأمْن فَجَّا
يـودُّ إقْنَـاعَ خَصْمٍ *** في غَمْطِه الحَقِّ لَجَّـا
ويَبْتَغـِي رَدْعَ جـانٍ *** وجْهَ الْعَدالةِ شَجَّـا
ومن اللافت للنظر في هذه الأبيات أنَّها تنطبق حتى على وقتنا الحاضر, فهناك من لايزال يؤمن بِهذا الطريق الذي سلكه الجيل الماضي في مسالمتهم للاستعمار والصهيونية من الحكام العرب... وكأنَّ الشاعر تنبأ بِما يجري الآن, فيخاطب الحاضر في الماضي"
وفي ختام القصيدة يتوجه الشـاعر بالحديث إلى ذلك العام, وهو لا يرجـو منه الشئ الكثير, لأنَّه أشبه بالطفل الذي لا يُفصح عمّا في نفسه, مثلما كان الأمر بالنسبة للأعوام السابقة عليه , يقول :
يَاعَامُ أشْبَهْتَ طِفلاً *** بالأبْجَـدِيَةِ هَجَّـا
هَلْ يَبْلُغُ الشَّطَّ أمْرٌ *** كالْفُلْكِ فِيكَ يُزَجَّى؟
وَهَلْ نُنَجَّى قَرِيبًّـا *** مِنَ الأَذَى هَلْ تُنَجَّى؟
يتبع .../...
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]