(ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توفيق .

الببر

كاتب جيد


أتابع القصة حيث توقفت في الموضوع السابق ( قصة رعب قصيرة كاملة من يحب أن يقرأها فاليتفضل )

في الصباح لم تكن تشعر بأنها على مايرام .
ذهب زوجها إلى العمل ، على حين جلست هي أمام التلفزيون تشاهد برامج الأطفال .. خطر لها أن تتناول الإفطار لكن الفكرة جعلت العصارة الحمضية تصعد إلى أعلى مريئها ..
هل هي حامل ؟ ارتجفت للفكرة .. بالنسبة لها كانت هذه آخر فكرة ممكنة في العالم .. طفل حي يصرخ ويبكي ويرضع يخرج من أحشائها هي ؟ هذا نوع من الخيال العلمي لا شك فيه ..
دق جرس الباب ففتحته ..
على الباب كانت جارتها ( هيلدا ) .. وهي كما نعرف لاتعمل هي الأخرى .. هكذا يبدأ حفل الزوجات الذي يتميز بالنميمة كطقس أساسي .. لم تكن ( هالة ) من الطراز الذي يشكو زوجها .. أولاً لأنها لم تجد فيه عيوباً حتى الآن .. ثانياً لأنها ليست من هذا الطراز .. يمكن أن تجلس لتمتدحه وعينها متورمة زرقاء من لكمته ، أو وهي تضع قطعة ثلج على خدها لتخفف من آلام صفعته لها ..
كانت جلسة طويلة عرفت فيها كل شيء عن عادات ( كارل ) وطباعه .. عن طفولته ومراهقته وأمراضه ..
في وسط الكلام قالت الصديقة الألمانية بشكل عابر :
- لا أحب التدخل فيما لا يعنيني .. لكن ما سر هذه الزيارات الليلية ؟ "
- " زيارات ليلية "
- هؤلاء القوم الذين يأتون بعد الثانية صباحاً لداركم .. إننا نسمعهم .. أعترف أنهم لا يحدثون صخباً لكن هذا غير مريح .. خاصة أنني لمحت وجوههم من فرجة الباب .. لا يوحي مظهرهم بالراحة أبداً .. "
قشعريرة عبرت ظهر ( هالة ) وهي تسمع هذه الكلمات ..
هل هذا صوت باب الشقة ؟
نعم .. إنه يفتحه .. ثم تعود إلى ما أمام جدار النوم فتسمع زوجها يتكلم مع أحدهم .. من هذا ؟ من هو ؟
لم تكن تخرف إذن .
بالفعل هناك من زارهم ليلاً .. وهو يحرص على أن يزيل أي أثر لزيارته بعد رحيله .. يزيله بدقة لا توصف ، لأن الشقة في الصباح تبقى كما هي ..
ولكن كيف ولماذا ؟ أشد ما يثير الضيق في هذه الأمور أن تشعر بأنك آخر من يعلم .. لهذا شعرت بمقت شديد ل(هيلدا ) وتمنت لو تخرس قليلاً ..
قالت لها ( هيلدا ) وقد لمحت حيرتها الواضحة :
- " واضح أنك لا تعرفين شيئاً عن الموضوع .. على كل حال يجب أن أقول أنك تثقين بزوجك أكثر من اللازم .. ولو كنت مكانك لفتشت حاجيالته بعناية .. ولظللت ساهرة أنتظر .. "
- " سأسأله هذا سهل .. "
- " ما دام أنكر حتى الآن يا صغيرة فلسوف ينكر إلى الأبد .. "
وصمتت ( هالة ) وراحت تراقب المرأة على الشاشة وهي تعد نوعاً ما من الحساء .. تتكلم ولكنها لا تفهم حرفاً من كلامها ..
لكنها لم تسأله عن شيء ..
للمرة الأولى في حياتها تصرفت بخبث وكتمان ..
إلا أنها لم تصح قط في الليل لتحضر الزيارة الغامضة .. دوماً كانت تنام كلوح الخشب إلى أن يشرق النهار ، وعلى كل حال كانت قد بدأت تنسى تلك الكلمات المسمومة التي سمعتها .. وعامة حرصت على أن تتجنب لقاء ( هيلدا ) أو التعامل معها ..
هذه المرأة على أسوأ حال من الخلاف مع زوجها ، وبالتأكيد صممت على أن تهدي للوجود هدية هي المزيد من المقت ..
مرت الأيانم وجاء اليوم الموعود ..
لقد كانت تلاحظ ذلك الانتفاخ في بطنها لكنها لم تعره اهتماماً بالقدر الكافي .. ثم صار الأمر حقيقياً لا ريب فيه .. ذهبت إلى المستشفى وهناك حللوا بولها وأخبروها بأنها حامل ..
هذا يفسر كل ما كانت تمر به من مقت للطعام ومن حموضة ، ومن قيء صباحي ..
إنها ستصير أماً .. هي الطفلة الخائفة ستصير أماً لطفلة خائفة أخرى ..
حين عاد ( كمال ) من العمل ، راحت تلعب دور الزوجة اللطيفة في الأفلام المصرية .. لدي مفاجأة لك .. اليوم شعرت بتوعك .. ذهبت للطبيب .. قال لي .. إنك .. بعد أشهر .. سوف ..
قاطعها في نفاد صبر :
- " حامل ؟ أعرف هذا .. لا داعي لهذه المقدمات .. "
شعرت بخيبة أمل .. كانت تتوقع أن يكون رقيقاً ويقبل بلاهتها هذه .. وأدرك أنه جرحها فقال لها برفق :
- " يا ملاكي لا يحتاج الأمر إلى طبيب .. عروس شابة انقطع منها الطمث وتقيء يومياً ويكبر بطنها يوماً بعد يوم .. فهل هذه مجرد غازات ؟ "
قالت لنفسها أنم كلامه منطقي بلا شك ، وإن كانت تفضل أنم يكون أكثر شاعرية ورقة ..
على كل حال جلست لتكتب لأهلها هذه المفاجأة الصاعقة ، وبرغم كل شيء لم تنكر في خطابها لحظة أنها سعيدة ..
سعيدة أكثر من اللازم ..
*****************************
- 3 -
قال ( مازن ) :
بعد أشهر كانت في السوبر ماركت مع ( إنريكه ) .. وكانت تبتاع ما يلزم من ثياب للفترة القادمة .. لقد اشترت ثياب الوليد وبعض الألعاب لحجرة نومه ، وكانت تسأل صديقتها باستمرار عما يخطر ببالها .. إن ( إنريكه ) أم مطلقة ..
لكن ( إنريكه ) لم تكن على ما يرام .. كانت شاردة ترد باقتضاب .. وفي مرة من المرات خيل لها أنها ترى دمعة في عينها ..
فجأة قالت لها ونظرة غريبة في عينها :
- " ( هالة ) .. نريد أن نتكلم في مكان منعزل .. "
سقط قلبها في قدميها ، فهي لا تحب أبداً هذه المقدمات .. لكنها وافقت ..
وفي إحدى الكافتيريات الهادئة طلبت ( إنريكه ) لنفسها قهوة وابتلعت قرصاً مهدئاً أخرجته من حقيبتها ، ثم أشعلت لفافة تبغ – فهي من هذا الطراز – وقالت في تؤدة :
- " هل قرأت قصة ( طفل روزماري rosemarys Baby ) ؟ "
هزت ( هالة ) رأسها أن لا .. بدا لها الاسم مألوفاً .. فأردفت ( إنريكه ) :
- " هذه من قصص الرعب الشهيرة جداً .. وقد تحولت إلى فلم بالغ النجاح أخرجه ( رومان بولانسكي ) .. إن القصة تدور حول زوجين اختارا لسكنهما بناية تعج بالسحرة .. هما لا يعرفان ذلك .. لكن الزوج ينقاد إلى الفخ ببطء شديد .. وهكذا تكتشف الزوجة أنها حامل ..لكن ليس من زوجها.. بل من الشيطان ذاته .. وأن الطقوس تقام كل ليلة حول جسدها الغائب عن العالم بفعل المخدر .. وفي النهاية تنجب .. تنجب ابناً للشيطان ! "
اتسعت عينا ( هالة ) رعباً .. لماذا تخبرها بهذا الكلام ؟
قالت ( إنريكه ) وهي تنفث الدخان بكثافة :
- " الحقيقة أن هذا السيناريو يتم تطبيقه معك حرفياً .. إن ( أبراكساس ) يتردد على دارك كل ليلة ومعه أتباعه .. إن زوجك العزيز يقوم بتخديرك كل ليلة بقرص من المنوم يدسه لك مع العصير الذي تشربينه بعد العشاء .. "
- " ( أبراكساس ) ؟ "
- " نعم .. ( أبراكساس ) وهو من شياطين العالم السفلي .. أنت حامل منه يا صغيرة .. "
هبت ( هالة ) واقفة في عصبية وأوشكت على الصراخ ، لكن يد ( إنريكه ) المعروقة قبضت على معصمها بقوة :
- " لا داعي للهيستيريا .. لم نأت هنا كي نلفت الأنظار .. "
جلست ( هالة ) صورة مجسمة للغباء والبلاهة .. فأردفت ( إنريكه ) :
- " أنت حكيت لي عن زوجك .. كيف يمشي في الظلام بلا عائق .. كيف اخترق النار والدخان وأنقذ ( كارل ) .. أنا حكيت لك عن كميات اللحم التي يبتاعها .. ألم تلحظي ذلك ؟ ألم تلحظ إلى حد يصعب تصديق أنه بشري ؟ الحقيقة أنك حمقاء .. لقد لمحت لك مراراً وكذا فعلت ( هيلدا ) إلى الحقيقة ولكنك لا تريدين الفهم .. الحقيقة أننا من أتباع هذه الجماعة السرية التي تحاول إعادة ( أبراكساس ) إلى العالم ، والتي زوجك عضو فيها .. لكنك بريئة جداً طاهرة جداً ، وبصراحة لم تعد واحدة منا ترغب في أن تدفعك أنت بالذات لهذا الدور القذر .. لهذا أنصحك بشيء واحد ة: فتشي حاجياته جيداًَ .. ابحثي مراراً .. هذه الليلة بالذات لا تشربي العصير .. يجب أن تعرفي من يدخل بيتك ولماذا .. فإن كان كلامنا صحيحاً فعليك بالفرار بأسرع وقت .. ربما تولت سفارتكم حل هذه المشكلة .. "
ثم أفرغت باقي قدح القهوة في فمها ، وأخرجت ورقة مالية دستها تحت الطبق ، وغادرت المكان من دون كلمة واحدة ..
************************
لو أن ( إنريكه ) فجرت لغماً تحت المنضدة ، أو أوصلت سلكاً كهربياً عالي الجهد بأصابع قدميها وأولجت الفيشة في القابس ، لما أحدثت كل هذا التأثير لدى ( هالة ) ..
كأنها ثملة عادت ( هالة ) إلى دارها .. احتاجت إلى وقت لا بأس به حتى تجد المكان ..
دخلت الشقة شاردة .. ظلت تدور حول نفسها ساعة على الأقل وتمشي من غرفة لأخرى .. في النهاية وجدت أنها تتجه كالمنومة مغناطيسياً إلى غرفة مكتب زوجها ..
وقفت وراء المكتب لحظات، ثم فتحت الدرج الكبير .. إنه يضع فيه المفتاح الذي يفتح به الأدراج الصغرى .. هي تعرف هذا وهو يعرف أنها تعرف ، لكنه يثق بها ويعرف أنها أطهر من أن تتسلل لتتفحص أسراره ..
أخرجت المفتاح وعالجت الدرج الأول ..
انفتح ..
لا شيء ..
الدرج الثاني .. به ..
به أشياء تخصها .. هذا هو الجورب الذي لا تفهم كيف أضاعته .. هذا هو دبوس الشعر الذي اختفى فجأة . هناك عدة صور لها .. من أين أتى بها إنها تخصها حين كانت في مصر .. صور من المدرسة الثانوية .. لا بد أنه أخذها من أهلها ولم يخبر ها .. ثمة دمية صغيرة مصنوعة من القماش المخيط .. ما معناها ؟هناك شعيرات على رأس الدمية .. ملتصقة به كأنه شعرها هي الحصول على هذه سهل لأنها تحرص على قص الخصلات الزائدة ، وأحياناً تهمل التخلص منها ..
ثمة علبة أقراص متب عليها ( باربيتيوريت ) .. هي تذكر الاسم .. إنه منوم كان أبوها يتعاطاه أحياناً ..
هناك لوحة ملفوفة حول نفسها .. فتحتها فوجدت ذلك الرمز المخيف .. النجمة الخماسية وحوله كلمات بلغة لا تعرف ما هي ..
لا تفهم أكثر هذه الأشياء .. لكن القصة واضحة ..
*************************
- " ملاك صغير هو أنت .. لهذا اخترتك .. لهذا همت بك حباً .. "
************************
المهندس المصري الشاب تورط في خبرة مريعة حين ذهب إلى ألمانيا .. ووعد جماعته بأن يذهب إلى مصر ليعود بعروس ( أبراكساس ) .. إن ما تراه في الدرج لغامض لكنه يخبرها بوضوح أنها هدف لعمل سحري ..
في المساء عاد .. كان ضحوكاً متألقاً ، أما هي فكانت في أسوأ حال .. لكنها قررت ألا تثير ريبته بأي شكل ..
راح يتناول العشاء ويثرثر ، ثم نهض كعادته إلى المطبخ ليعد لهما العصير .. للمرة الأولى تفطن إلى أن هذه عادته وأنه حريص عليها .. عاد حاملاً الكوبين وبحرص وضع كوب اليد اليمنى أمامها واختار هو كوب اليد اليسرى ..
- " لا أريد أن أضايقك .. لكني أطمع في مزيد من التدليل .. "
- " قولي ما شئت .. فأنت الحامل لا أنا لو لم تخني الذاكرة .. "
- " نسيت إحضار الفاكهة من الثلاجة .. فهل جلبت لي بعضها ؟ "
هكذا انصرف ، وهكذا وجدت وقتاً كافياً كي تتخلص من العصير .. أين ؟ أين ؟ المزهرية الموضوعة على المنضدة ..
في اللحظة المناسبة قبل أن يعود ، وحين عاد كان كوبها فارغاً وهي تمسح شفتبها بامتنان ..
بعد دقائق أعلنت أنها راغبة في دخول الفراش ..
بدأ يخلي المنضدة من الأطباق .. على حين اتجهت إلى الحمام لتغسل وجهها ، ثم دلفت إلى الفراش .. وبعد دقائق تعالى صوت تنفسها المنتظم ..
لن تنام .. مهما كان الإغراء فلن تنام .. يجب أن تعرف .. أناملها تعتصر السكين تحت الوسادة .. السكين التي أخفتها في الحمام ثم تحت الروب ..
لا بد أنها استعادت ذكريات شبابها كاملاً وحينما نظرت إلى المنبه جوار الفراش .. إنها الثالثة صباحاً .. هو يرقد جوارها ويبدو نائماً في عمق ، وهي لا تجرؤ على أن تتحرك ..
الآن ينهض ببطء .. الآن يمشي في الخارج .. الآن يفتح باب الشقة ..
هذه هي اللحظة التي تعرف فيها كل شيء ..
كانت تشهق في انفعال .. ترتجف كورقة .. لكن أذنيها مرهفتان كقط صغير..
تسمع صوت أناس يتكلمون في الخارج .. رجال ونساء يتحدثون .. زوجها يقول :
- " إنها نائمة .. لا تقلقوا .. خذوا راحتكم .. "
صوت غليظ يقول :
- " إذن ماذا تنتظر أيها البشري ؟ "
زوجها يقول لصاحب الصوت في لهفة :
- " أنت سيدي .. أنت سيدي .. إن الشرف يغمرني .. "
ثم صوت واحدة .. تباً .. إنها هي ( هيلدا ) ذاتها .. تقول :
- " خذوا الحذر .. لقد بدأت تشعر بريبة .. "
الصوت الغليظ يقول :
- " إن البذرة فيها الآن .. لا أحد يقاوم ( أبراكساس ) أبدا ً .. "
الآن كانت تبكي بلا انقطاع .. و صار جسدها متوترا كأنه وتر قوس ..
الأصوات تدنو .. و الصوت الغليظ يقول :
" هلموا يا أبنائي لنبدأ الطقوس .. "
يقول زوجها :
" بالمناسبة هي متيقظة الآن و تتابعنا ! لقد أفرغت كوب العصير في المزهرية بينما كنت أنا في المطبخ ! تحسبني لم ألحظ ذلك !
إنهم على باب الغرفة الان ..
إنهم ..
و في اللحظة التالية وثبت من الفراش .. اندفعت كالسهم نحوه ..
لم تستطع إلا أن ترى زوجها وسط بعض الناس ، و كان ينظر لها بدهشة .. و في اللحظة التاية وثبت فوقه كقطة مسعورة ، و غرست السكين في عنقه ..
غرسته .. غرسته .. غرسته .. و شعرت بالزوج يتهاوى كالبالون المثقوب أمامها ..
و قبل أن تغيب عن الوعي سمعت هيلدا تصرخ في هيستيريا :
" ماذا فعلت ياحمقاء ؟ ! مجرد دعابة ثقيلة ! إن زوجك يهوى الدعابات .. "

*******************************
قال ( مازن ) :
- " فيما بعد عرفت الزوجة القصة كاملة .. في الحقيقة لم يكن المشي في الظلام موهبة ما .. هناك أشخاص يرون أفضل من سواهم في الظلام .. بعد موضوع حريق الحمام وشجاعة الزوج الحقيقية النادرة خطر ل( هيلدا ) أن تبدأ نسج هذه الدعابة التي راقت للزوج .. كان يجب أن يتندر على سذاجة ( هالة ) واستعدادها لتصديق كل شيء .. وببطء راحت ( هيلدا ) و ( إنريكه ) تسممان حيلة الزوجة بأكاذيب عن الزوج .. لم يكن هناك زوار يأتون ليلاً بل ( هيلدا ) وزوجها طرقا الباب ذات مرة ليكلمهما الزوج ويغرسا قصة ملفقة عن الزوار الليليين .. لم تكن هناك أقراص منومة ليلاً لكنهما أقنعا ( هالة ) بذلك .. في النهاية عرف الجميع أن ( هالة ) لن تتناول العصير وستبقى متيقظة ، ولسوف تفتش مكتب زوجها .. طبعاً كان كل شيء معداً كي تجد ما وجدته .. هنا تتم الزيارة المرهوبة .. لكنهم لم يقدروا أن الدعابة قد تتحول مأساة ، وأن الشخص الرقيق كالزوجة قد يتوحش عندما يقتله الرعب .. "
قلت له وأنا أبتلع ريقي الذي جف :
- " دعابة ثقيلة جداً ، وأشعر أن الزوج استحق الذبح فعلاً .. كما أرى أن ( هيلدا ) و ( إنريكه ) كانتا بالفعل تحقدان بشدة على الزوجة المصرية الهانئة .. "
هز رأسه موافقاً .. ثم أضاف :
- " لكن الأمور ليست بهذا الوضوح دوماً .. هنا يبرز سؤال مهم عن كيف فتح ( كمال ) مقبض الحمام ؟ لم تكن الدعابة واردة في ذلك الوقت .. ولم تكن الزوجة لتترك زوجها يحترق لمجرد أن تكون الدعابة محكمة .. هذه نقطة .. "
ثم مد يده إلى الوعاء الذي حفظ فيه الجنين وهو يقول :
_ " لم تحتفظ ( هالة ) بوليدها في المصحة التي نقلت إليها .. لقد أجهضت .. وقد احتفظ أحد الأطباء بالجنين إلى أن حصلت عليه أنا .. والسبب هو هذا .. "
وأدار الوعاء .. فرأيت بوضوح تام أن الفقرات العصعصية للجنين كانت متحورة على شكل ذيل كامل .. ذيل كامل مشقوق ..
هتفت في رعب :
" هل تعني أن ؟ "
قال و هو يبتسم
" ثمة رواية شهيرة اسمها ( 36 ساعة ) للأديب ( كارل هيتلمان Carl Hittleman ) تحكي عن ذلك الضابط الأمريكي الذي كان يعرف كل كلمات الشفرة و موعد هجوم الحلفاء على ألمانيا .. كان من المستحيل أن يتكلم مهما عذبوه و قد عرف الألمان هذا ، لذا خدروه و اختطفوه و أجروا جراحة جعلته يتقدم في العمر شكليا .. نقلوه إلى مكان عدوه سلفا يبدو في كل شيء كأنه قاعدة أمريكية .. الأطباء الذين يحيطون به يبدون أمريكيين ويتكلمون المريكية بطلاقة .. حين أفاق أفهموه أنه في قاعدة أمريكية ، و أن الحرب انتهت منذ أعوام ، و أنه فقد وعيه و ذاكرته ، و لكنه الآن بخير .. عليه أن يأخذ راحته ..
" ثم بدأ العلاج النفسي .. مطلوب منه – على سبيل تنشيط الذاكرة – أن يذكر كل شفرات القوات الأمريكية في الحرب .. متى كان الهجوم ؟ أين ؟ إلخ .. بالطبع تكلم الرجل .. لكنه فيما بعد اكتشف الحقيقة لأن جرحا كان في إصبعه منذ أيام ، و من المستحيل أن تنتهي الحرب ولما يشف هذا الجرح بعد .. هكذا صار عليه أن يبرهن على أنه اكتشف الخدعة مبكرا و أنه كان يخدع النازيين من البداية .. و يبدو أنه نجح في ذلك .. "
كنت أعرف القصة جيدا بل رأيت الفيلم عدة مرات ، فقلت له في عصبية :
" ما دور هذه القصة هنا ؟ "
ابتسم في غموض و قال :
" لعب اتباع ( إبراكساس ) نفس الدور تقريبا .. لقد خدعت الزوجة مرتين .. فكر في الأمر جيدا و لسوف تجد أنني لى حق .. إن الشبه بين القتين شديد .. "
ثم تنهد واتجه إلى الواجهة الثالثة ووقف يتأملها بعض الوقت ، حيث كانت تلك المادة الهلامية المتحجرة .. كأنها شمعة عملاقة ذابت تماماً ..
كنت الآن قد وصلت إلى حقيقة مفروغ منها : هذا الرجل ليس رجلاً .. سوف تشرق الشمس لأجد أنه لا وجود له .. لقد عشت هذا الموقف مراراً .. لكني على الأقل أعرف أن قصصه حقيقية .. ثم كيف أتأكد من نظريتي هذه ؟ لا سبيل إلا أن أنتظر ..
قال لي بصوته الغليظ :
- " القصة الثالثة تتحدث عن نوع ثالث من الرعب .. ( ماذا يجري في ذلك البيت ؟ ) .. إنه شعور بدائي مخيف .. لكنه موضوع قصتنا التالية .. "
***********************************



 

ملائكة الحب

مُديّرْ المُنتَدىَ
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

طرح رائع أخي لغالي

وشااء الله تكون فرحت بهاد لعيد

أشتقتلك يا باشا

تحياتي
 

الببر

كاتب جيد
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

ملائكة الحب

منور المنتدى بوجودك ياملك الغوالي ..

و طبعا انبسطت بالعيد بطلتك البهية .

دمت بألف خير وسلام ..
 

SONDA

كاتب جيد جدا
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيفك أخي

وصلت الرسالة و قرأت القصة
بس كان جهازي معطل شوي ما قدرت أرد بنفس الوقت


تعرف
انا عملت احنمالات من خلال العنوان و بداية القصة
فيه احتمالات صحيحة
لكن أنو كل القصة لعبة عملها الزوج و الجارات هذهبصراحة مفاجأة
و أنو الجنين مشوه و الأسئلة اللي طرحها مازن و اللي ضلت بدون اجابات
هذه كمان مفاجأة حلوة


هذا هو الخيال العلمي
أنو يطرح أسئلة متضادة لكن منطقية بنفس الوقت
و التفسير اللي تلقاه تجد له نقيضه أيضا بنفس الوقت



لا تبخل علينا أخي بقصص أخرى

و شكرا للاهتمام
و عذرا للاطالة
 

الببر

كاتب جيد
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

الأخت الكريمة SONDAوعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكرا لمرورك و الحمدلله أنو القصة عجبتك .

ممكن أنشر قصة كاملة من كل حلقة رعب و عددون لحلقات الرعب منعدا هي
بس 6 ..
و باقي السلسلة روايات كاملة .

مع أطيب التحيات ..:eh_s(17):
 

SONDA

كاتب جيد جدا
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

بالانتضار أخي
 

الببر

كاتب جيد
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

ان شاء الله بأسرع وقت :eh_s(6):
 

ترانيم العشق

كبار الشخصيات
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

البير
بتعرفني ما بحب روايات الرعب
يا ريت تجبلك شي قصة رومانسية
بدل هالرعب
سندة ما بهمها
بتقرا رعب
انا....نوووووووووووووووو
يسلموا دياتك
وتقبل مروري
 

الببر

كاتب جيد
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توف

الأخت الكريمة سارة:hala:
الله يسلمك
و الله القصة مابترعب

بعدين أصل الأدب الرومانسي هو الرعب القوطي و اللي كان من مذهب
Romancism
شكرا لمرورك و الله نورت هل الصفحة المرعبة ..:SnipeR (27):
 

آنفآس آلمطر

كبار الشخصيات
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توفيق .

موضوع راائع سيحفظ في المفظلة
عندي لكي يتسنى لي قراائتهم
حينما اشااء
كل الشكر لك اخي اكثر من هذه الرواايات
اسعدتني
 

الببر

كاتب جيد
رد: (ابن ابراكساس) من المتحف الأسود ج2. د.أحمد خالد توفيق .

الاخت وشاء الهوى اسعدني مرورك كثيرا
دمت بخير ..
 

مواضيع مماثلة

أعلى