ما هو تفسير الآية ” قالوا سحران تظاهرا “

عشق الروح

كاتب جيد جدا
<figure class="single-featured-image"><figure class="single-featured-image">
-جاءهم-الحق-من-عندنا-قالوا.png
</figure>

{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ الله هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [سورة القصص: 48-51]
تفسير الآيات ابن كثير :
{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا } يقول الله تعالى مخبراً عن القوم أنه لو عذبهم قبل قيام الحجة عليهم لاحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول، فلما جاءهم الحق من عنده على لسان محمد صل الله عليه وسلم، قالوا على وجه التعنت والعناد، والكفر والإلحاد : { لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى }، يعنون مثل العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وتنقيص الزوع والثمار مما يضيق على أعداء الله، وكفلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى إلى غير ذلك من الآيات الباهرة، والحجج القاهرة، التي أجراها الله تعالى على يدي موسى عليه السلام، حجة وبرهاناً له على فرعون وملئه، ومع هذا كله لم ينجع في فرعون وملئه، بل كفروا بموسى وأخيه هارون، كما قالوا لهما: { أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا } [ يونس : 78 ]، وقال تعالى : { فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ } [ المؤمنون:48 ].
ولهذا قال ههنا: { أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ } أي أولم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة، { قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } أي تعاونا، { وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } أي بكل منهما كافرون، قال مجاهد: أمرت اليهود قريشاً أن يقولوا لمحمد صل الله عليه وسلم ذلك، فقال الله: { أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } قال: يعني موسى وهارون صل الله عليه وسلم { تَظَاهَرَا } أي تعاونا وتناصرا وصدق كل منها الآخر، وهذا قول جيد قوي.
وعن ابن عباس: { قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } قال: يعنون موسى ومحمداً صل الله عليه وسلم وهذا رواية الحسن البصري، وأما من قرأ { سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } فروي عن ابن عباس: يعنون التوراة والقرآن، قال السدي: يعني صدّق كل واحد منهما الآخر، وقال عكرمة: يعنون التوراة والإنجيل واختاره ابن جرير، والظاهر أنهم يعنون التوراة والقرآن لأنه قال بعده : { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ }، وكثيراً ما يقرن الله بين التوراة والقرآن، كما في قوله تعالى : { قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ – إلى أن قال – وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } ، وقال في آخر السورة { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ } [الأنعام : 154 ].
وقال : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأنعام : 155 ]، وقد علم بالضرورة لذوي الألباب، أن الله تعالى لم ينزل كتاباً من السماء – فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه – أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف، من الكتاب الذي أنزل على محمد صل الله عليه وسلم، وهو القرآن، وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى عليه السلام، وهو الكتاب الذي قال الله فيه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ } [ المائدة :44 ]، والإنجيل إنما أنزل متمماً للتوراة، ومحلا لبعض ما حرم بني إسرائيل.
ولهذا قال تعالى : { قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين َ} أي فيما تدافعون به الحق وتعارضون به من الباطل، قال الله تعالى : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ } أي فإن لم يجيبوك عما قلت لهم ولم يتبعوا الحق { فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } أي بلا دليل ولا حجة { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } أي بغير حجة مأخوذة من كتاب الله، { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }، وقوله تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ } قال مجاهد: فصلنا لهم القول، وقال السدي : بيَّنا لهم القول، وقال قتادة، يقول تعالى: أخبرهم كيف صنع بمن مضى وكيف هو صانع { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }.
</figure>

{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [سورة القصص: 29-32]
تفسير ابن كثير :
{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ } لما أتم موسى عليه السلام الأجلين وأوفاهما وأبرهما وأكملهما هو عشر سنين على رأي الجمهور وقال مجاهد عشر سنين وبعدها عشر أخر رواه عن ابن جرير، { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } قالوا: كان موسى قد اشتاق إلى بلاده وأهله، فعزم على زيارتهم خفية من فرعون وقومه، فتحمل بأهله وما كان معه من الغنم التي وهبها له صهره، فسلك بهم في ليلة مطيرة مظلمة باردة، فنزل منزلاً فجعل كلما أورى زنده لا يضيء شيئاً فتعجب من ذلك، فبينما هو كذلك { آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا } أي رأى ناراً تضيء على بعد.
{ قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا } أي حتى أذهب إليها { لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ } وذلك لأنه قد أضل الطريق { أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ } أي قطعة منها { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي تستدفئون بها من البرد، { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ } أي من جانب الوادي مما يلي الجبل عن يمينه من ناحية الغرب، كما قال تعالى: { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ } [ القصص : 44 ] فهذا مما يرشد إلى أن موسى قصد النار إلى جهة القبلة، والجبل الغربي عن يمينه والنار وجدها تضطرم في شجرة خضراء، في لحف الجبل مما يلي الوادي فوقف باهتاً في أمرها فناداه ربه.
{ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } أي الذي يخاطبك ويكلمك هو { رَبُّ الْعَالَمِينَ } الفعال لما يشاء، تعالى وتقدس وتنزه عن مماثلة المخلوقات، في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله، وقوله: { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } أي التي في يدك، كما في قوله تعالى : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى } [ سورة طه : 17-18 ]، والمعنى: أما هذه عصاك التي تعرفها { قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } [ سورة طه : 19-20 ] ، فعرف وتحقق أن الذي يكلمه ويخاطبه هو الذي يقول للشيء كن فيكون.
{ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ } أي تضطرب، { كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا } أي في حركتها السريعة مع عظم خلقتها واتساع فمها، واصطكاك أنيابها بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعها تنحدر في فيها، تتقعقع كأنها حادرة في واد، فعند ذلك، { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي ولم يلتفت لأن طبع البشرية ينفر من ذلك، فلما قال اللّه له: { يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ } رجع فوقف في مقامه الأول.
{ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } أي إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق، ولهذا قال { مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } أي من غير برص. وقوله تعالى: { وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ } قال مجاهد : من الفزع، وقال قتادة : من الرعب مما حصل لك من خوفك من الحية؛ والظاهر أنه أمر عليه السلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب، وهو يده فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف، وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجده.
عن مجاهد قال : كان موسى عليه السلام قد ملئ قلبه رعباً من فرعون، فكان إذا رآه قال : « اللهم إني أدرأ بك في نحره، وأعوذ بك من شره » فنزع اللّه ما كان في قلب موسى عليه السلام، وجعله في قلب فرعون فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار [ رواه ابن أبي حاتم عن مجاهد ].
وقوله تعالى: { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ } يعني جعل العصا حية تسعى، وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار، وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه، ولهذا قال تعالى: { إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } أي وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع، { إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ } أي خارجين عن طاعة اللّه مخالفين لأمره ودينه.​
<ins class="adsbygoogle" style="display: block; height: 0px;" data-ad-client="ca-pub-1170002228746321" data-ad-slot="5263491935" data-ad-format="auto" data-full-width-responsive="true" data-adsbygoogle-status="done"><ins id="aswift_1_expand" style="display: inline-table; border: medium none; height: 0px; margin: 0px; padding: 0px; position: relative; visibility: visible; width: 708px; background-color: transparent;"><ins id="aswift_1_anchor" style="display: block; border: medium none; height: 0px; margin: 0px; padding: 0px; position: relative; visibility: visible; width: 708px; background-color: transparent; overflow: hidden; opacity: 0;"></ins></ins></ins>​
 

مواضيع مماثلة

أعلى