كيف نتعامل مع المتقاعدين

قيثارة

كاتب جيد جدا

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،

فلاشك أننا في حاجة إلى معرفة الكيفية الصحيحة للتعامل مع المُتقاعد في مجتمعنا ، وإن كانت هذه الكيفية غير مُحددة في نمطٍ معينٍ من التعامل ؛ إذ إن لكل متقاعدٍ حالته الخاصة وظروفه المعينة التي تفرض على من حوله كيفية التعامل المناسبة له . ولكن يمكن الحديث بصفةٍ عامة عن هذا الشأن فنقول :


لا بد للأُسرة التي ينتمي إليها المتقاعد أن تُدرك أنه في حاجةٍ إلى شيءٍ من المراعاة ، ولاسيما في بداية فترة تقاعده ؛ حيث جرت العادة أن يصيب فئةً كبيرة من المُتقاعدين شيءٌ من الهم والقلق الناتج عن شعورهم ( الخاطئ ) بأنهم أصبحوا هامشيين ، وأن المجتمع قد لفظهم ، وأنهم يُمثلون عبئاً اجتماعياً على أُسرهم ومجتمعهم مُعللين ذلك بأنه لم يعد في حاجةٍ إليهم . فكان من الواجب على الأُسرة أن تُراعي أن هذا المُتقاعد يحتاج إلى شيءٍ من اللطف في التعامل ، والدعم النفسي الأُسري لغرض امتصاص بعض التوتر الذي عادةً ما يُعاني منه المتقاعد في هذه المرحلة الانتقالية عن طريق العمل على عدم إشعاره بالفراغ ، وأن يحرص أفراد الأُسرة من الأبناء والبنات والأحفاد والأقارب على الإكثار من السؤال عنه والاقتراب منه ، زيارته قدر المُستطاع ، حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن لمثل هذا السؤال ونحوها من الزيارات وقعاً طيباً ، وأثراً فاعلاً في نفس المُتقاعد ، ولاسيما إذا كان ممن يُعانون من بعض المتاعب الصحية .
وهنا لا بُد من الإشارة إلى أن طريقة التعامل مع المتقاعد خلال هذه المرحلة الجديدة على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية والحساسية ، إذ إنها هي التي ( غالباً ) ما تحدِّد للمتقاعد ما إذا كان دوره قد انتهى ، أو أنه لا يزال قادراً على العطاء .


كما أن من أهم المسؤوليات الاجتماعية - التي تشترك فيها مختلف المؤسسات الاجتماعية - تجاه المتقاعدين أن تتوافر بعض المرافق المناسبة والمُلائمة التي يمكن أن تُقدم خدماتٍ خاصةٍ بالمتقاعدين ، والتي منها على سبيل المثال : أندية المُتقاعدين التي يُفترض أن توجد في كل مدينةٍ وكل قرية ، وهي مطلبٌ اجتماعي هامٌ ولازم وبخاصةٍ في هذا العصر ؛ إذ إنها تعمل على استقبالهم ، وتلبية مطالبهم ، كما أنها معنيةٌ بأن تتيح لهم ممارسة بعض الأنشطة الرياضية ( مهما كانت يسيرة ) ، والأنشطة الثقافية المناسبة ، وتنظيم الرحلات والزيارات القصيرة ، وعقد الأمسيات واللقاءات التي تجمعهم بنظرائهم ، وتسمح لهم بصرف جزءٍ من أوقاتهم فيما يُريحهم نفسياً ، ويخرجهم من عزلتهم وكآبتهم ، ويمنحهم الثقة بأنفسهم وبمن حولهم ، ويحفظ لهم مكانتهم .


وهنا أُشير إلى تجربةٍ ناجحةٍ وبادرةٍ مُتميزةٍ لنادي أبها الأدبي الذي افتتح ناياٍ خاصا بالمُتقاعدين سماه ( منتدى الرواد ) اعتباراً من 15 / 5 / 1423هـ ، وتم تخصيصه للمُتقاعدين من المُثقفين المدنيين والعسكريين الذين توافدوا إليه وأفادوا من خدماته ، ولاسيما أنه مزودٌ بالصحف اليومية والمجلات والدوريات والتلفاز وبعض الخدمات الإدارية التي جعلت أعداداً من المتقاعدين يرتادونه بشكلٍ يومي تقريباً ، وينظمون العديد من المناشط المختلفة لهم من خلاله منذ تاريخ إنشائه وحتى الآن .


أما الكيفية التي يجب أن يتعامل المُتقاعد من خلالها مع وضعه الجديد بعد التقاعد ، فيمكن الإشارة إليها بعمومياتٍ تبدأ بضرورة معرفة واقع الحال الذي يفرض على الإنسان تهيئة نفسه لمرحلة ما بعد التقاعد ، وعدم الاستسلام للفراغ القاتل بدعوى الراحة ، فليست الراحة في الفراغ والنوم وعدم الاشتغال بشيءٍ من مهام الحياة ، ولذلك فقد أوصت بعض الدراسات بأن على المُتقاعد أن يحاول إشغال وقته بهواية معينة ، أو عمل ما مهما كان يسيراً بحيث يتمكن من الخروج من البيت ، وقضاء بعض الوقت في ممارسته والانشغال به ، ولاسيما أن النفس البشرية ( في الغالب ) تأبى الشعور بالهامشية والفراغ .


فكم هو جميلٌ أن يُخصص المتقاعد جزءً من وقته اليومي لحفظ كتاب الله العظيم ، أو ما تيسر منه إن لم يكن حافظاً له من قبل ، أو مراجعته إن كان حافظاً ، وهنا يمكن الإشارة إلى أن الحفظ والمراجعة يمكن أن تتم عن طريق السماع للتلاوات المُسجلة إذا لم يكن الإنسان قارئاً .


وكم هو رائعٌ أن يُكثر المُتقاعد من أداء العمرة في مكة المكرمة ، وزيارة مسجد النبي محمدٍ في المدينة المنورة والمتابعة بينهما إذا كانت صحته ووضعه المادي يسمحان بذلك .


وكم هو حسنٌ أن يحرص المُتقاعد على حضور بعض الدروس العلمية والحلقات في المساجد ليزداد علماً وفقهاً في الدين ، ويتبع لذلك الإكثار من بعض العبادات التطوعية التي يتقرب بها إلى الله تعالى من مُحافظةٍ على ذكر الله تعالى ، وصلة الرحم ، ورد المظالم ، وارتياد مجالس الصالحين ، والصيام التطوعي ، والصدقة والإحسان إلى الآخرين ، ونحو ذلك .


وكم هو مُبدعٌ أن يُخصص المُتقاعد جزءاً من وقته اليومي للمطالعة الحرة ، وارتياد المكتبة إذا كان ممن يحبون القراءة ، ويحرصون على الاطلاع .


وكم هو ممتعٌ أن ينظم المتقاعد جزءاً وقته ليشتمل على برنامجٍ ثابتٍ يقوم من خلاله بالتواصل مع الزملاء ، والأصحاب ، والأقران ، والأقارب ، والجيران ، ونحوهم من خلال الزيارات المتبادلة ، والاتصالات الهاتفية ، ونحو ذلك .


وكم هو مُفيدٌ أن ينشغل المُتقاعد ببعض الأعمال التجارية اليسيرة كالبيع والشراء من خلال مكاتب العقار ، أو أنواع التجارة الحرة الممكنة ، أو من خلال معارض السيارات ، ونحو ذلك من الأعمال التي لا مشقة فيها والتي تُناسب وضعه الصحي والمالي .


وكم هو نافعٌ جداً أن يتعاون المتقاعد مع بعض الجمعيات الخيرية أو التعاونية ، أو مراكز التنمية الاجتماعية لإفادتهم بخبراته المختلفة في بعض الأنشطة التي يُقدمونها للمجتمع .


وهكذا تتعدد الفرص ويمكن للمتقاعد أن يتكيف مع وضعه الجديد الذي ربما كان فيه الخير والأجر والثواب مصداقاً لما ورد عن أحد السلف أنه كان يقول : " اللهم اجعل آخر أعمالنا خواتمها واجعل ثوابها الجنة " .
والله نسأل أن يوفقنا جميعاً لصالح القول ، وجميل العمل ، وحُسن الخاتمة ؛
salla.gif
على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
 

مواضيع مماثلة

أعلى