رواية كيف يرى "كونديرا" التاريخ؟

زهرة الحياه

كاتب محترف
00000000-0000-0000-0000-000000000000


يُفرِّق "كونديرا" بين التاريخ البشري وتاريخ الرواية، فهما عنده شيئان مختلفان تماما، الأول لا يتحدد وفق إرادة الإنسان، بل هو يقوم بالاستيلاء على مصيره كقوة أجنبية، لا يستطيع التحكم بها، بينما نجح تاريخ الرواية أو تاريخ الرسم أو الموسيقى أن يكون ثمرة لحريته، لإبداعاته الشخصية البحتة، لاختياراته الشخصية. "فتاريخ الفن هو انتقام الإنسان ضد الطبيعة اللاشخصية للتاريخ البشري".

يحكي "كونديرا" في رواية "كتاب الضحك والنسيان" أنه في شهر فبراير/شباط ١٩٤٨ وقف الزعيم الشيوعي "كليمان غوتوالد" على شرفة قصر من قصور "براغ" من العصر الباروكي ليخطب في مئات الآلاف من المواطنين المتجمهرين في ساحة المدينة القديمة. كان هذا منعطفا كبيرا في تاريخ "بوهيميا" (منطقة في وسط أوروبا). بل لحظة مشهودة وحاسمة في ذلك التاريخ فيه.

كان "غوتوالد" محاطا برفاقه، وبجانبه وقف "كليمانتس". بدأ الثلج يسقط في جوٍّ من البرد القارص، وكان "غوتوالد" عاري الرأس، فقام "كليمانتس" بنزع قبعته التي من الفرو ووضعها بعناية على رأس "غوتوالد". وقد أعادت شعبة الدعاية والإعلام إنتاج مئات الآلاف من النسخ لصورة "غوتوالد" المحاط برفاقه وهو يطل بقبعة الفرو من الشُرفة، وهو يتحدث إلى الشعب.. وهكذا بدأ التاريخ الشيوعي لـ "بوهيميا" من هذه الشُرفة.

بعد ذلك بأربع سنوات اتُّهم "كليمانتس" بالخيانة وشُنق، فقامت شُعبة الدعاية بمحو أثره من التاريخ، وبطبيعة الحال من كل الصور الفوتوغرافية. ومنذ ذلك الحين صار "غوتوالد" يظهر وحيدا على الشُرفة، ولم يعد يظهر حيث كان يقف "كليمانتس" سوى حائط القصر الفارغ، ولم يبقَ من "كليمانتس" سوى قبعته على هامة "غوتوالد".

لكن بعيدا عن مدلول القصة عند "كونديرا"، تأخذنا الباحثة في الأدب التشيكي "هانا بيتشوفا" إلى أنه "بعد تأكيد "كونديرا" على أهمية حركة "كليمانتس"؛ أي إعارته قبعته لـ "غوتوالد" حاسر الرأس الشاعر بالبرد، قد يكون مدهشا للبعض أن يكتشفوا أنَّ "كونديرا" ألَّف هذه الواقعة تأليفا". ففي الصورة الأصلية السابقة على المحو، يظهر كل من "كليمانتس" و"غوتوالد" وهما يعتمران قبعتين، و"لا يبدو أن أحدا يعطي لأحد أي شيء على الإطلاق". فما الذي يجعل "كونديرا" يحرّف واقعة تاريخية لها هذه الأهمية في صدر روايته الأولى المكتوبة في المنفى؟​
 
أعلى