تساؤلات محرجة للمتبرجة

عاشقة الزهور

كاتب جيد جدا

الحمد لله الذي بيده مقاليد الأمور ، وبأمره تصريف الأحوال ، وهو على كلِّ شيء قدير ، وبكلِّ شيء عليم ، والصلاة والسلام على رسول الله ، سيد ولد آدم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :


فهذه تساؤلات محرجة لمتبرجة ، أردت من خلالها أن تنتبه الغافلة ،
وتتعلم الجاهلة ، وتثبت على طريقها كلُّ فاضلة عاقلة ،
فأقول ، وبالله أصول وأجول :



* أختاه !

هل تتبرجين ليراك الناس بهذا اللباس ، والتبرج المزعج ؟
وتفرحين إذا التفتت إليك الأبصار وتابعتك الأنظار ؟
فأين أنت عن الله !
أين أنت عمن يراك تلبسين ما نهاك عنه وحذرك منه ؟
أما تخافين عذابه ؟ وتخشين عقابه ؟ وتهابين حسابه ؟
أم أنَّ الدنيا أغرتك ؟ وفي أوديتها أردتك ؟ وبحبالها أوثقتك ؟
هل ركنت للدنيا الفانية وغفلت عن الآخرة الباقية ؟
هل طمعت فيما يزول ؟ وانشغلت بما يحول ؟ ونسيت يوماً سيطول ؟
أعيذك بالله من كلِّ ما يؤذيك !
قال تعالى : [وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ] البقرة (281)


* أختاه !

هل تحبين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ؟!
لا أشكُّ في ذلك طرفة عين .
فهل يرضيك ـ لو أنه بُعث من قبره ـ أن يراك على هذا الوضع المزري والواقع المخزي ؟!
تصوَّري هذا بخيالك ، ثم افعلي ما بدا لك !
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى " . قالوا يا رسول الله ! ومن يأبى ؟ قال :" من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى "
(صحيح البخاري (6/2655 ) (6851 )
ألا تخشين أنك ممن أحدثوا بعده ، وصنعوا ما لم يشرع لهم ، وفعلوا ما لم يأذن لهم فيه ، فيطردون عنه ، ويُحرمون من حوضه ، ويُذادون عن الشراب من يده المباركة في يوم يطول فيه الموقف ويعظم فيه الهول ؟! وهو ينادي ويقول :" أمتي ! امتي ! " فيرد عليه :" إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك " !!


* أختاه
!
أيسرُّك لو أن ملك الموت نزل إليك ، وهجم عليك ،
ليستلَّ الروح من الجسد السافر والبدن الظاهر ؛
أن تلقي الله تعالى وأنت بلباسك المتهتِّك ، وحجابك المتبرج ؟
أما تخافين من سوء الخاتمة وقبح العاقبة ؟
والمرء يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه ،
ثم يحاسب على ما قدمته يداه بين يديه .
فيا لهف نفسي !
كم من مفضوح في يوم لقاء الله !
قال تعالى :[قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ] الجمعة (8)





* أختاه !

لو أن شقيقك طلب منك أن تختاري له زوجة صالحة
ممن تعرفين من الفتيات ، وجعل لك القرار في الاختيار ...
فهل ستختارين له تلك المتبرجة السامجة ؟!

أم أنَّك ستنصرفين عنها لتختاري له تلك اللؤلؤة المصونة والدُّرَّة المكنونة التي تلفعت بلباسها ، وتسربلت بعباءتها ، وحفظت نفسها من تلك النظرات الخائنة التي يرسل بها زمرة شيطانية من الذئاب البشرية التي تحوم حول كلِّ فريسة بلهاء زجَّت بنفسها بين أنياب الذئاب ومخالب المخربين من الشباب ؟
أنا زعيم بأنَّك ستختارين الأخرى على الأولى !
أ رأيت لمن يكون الاحترام ؟ وبمن تكون الثقة ؟ وإلى من تنصرف القلوب والعقول ؟ وتلك عاجل البشرى ، وما عند الله خيرٌ وأبقى .

* أختاه !

هل تقتدين في هذا التبرج بالمؤمنات الصالحات من أمهات المؤمنين أو بزوجات أصحاب خير المرسلين ؟ أو بنساء أتقياء التابعين ؟ أو بالحافظات لما أمر به ربُّ العالمين ؟
أم أنَّك تتأسين بالفاسقات العاصيات من الكافرات الفاجرات أو بالممثلات المنحرفات أو بالمغنيات المائلات أو بالضائعات الحائرات ؟!
ولا يخفاك ـ رُزقت هُداك ـ أنَّ التشبُّه في الظاهر دليل التعلُّق في الباطن ، ومن تشبه بقوم فهو منهم ، والمرء يُحشر مع من أحبّ ..
فاختاري الرفيق في الطريق ، والموعد يوم القيامة !
عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : لمَّا نزلت :[ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا] الأحزاب (59) خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية .
صحيح سنن أبي داود (2/773) (3456) .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت :
يرحم الله نساء المهاجرات الأول ، لمَّا أنزل الله :
[ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ] النور :
31 شققن أكنف ـ وفي رواية ؛ أكثف ـ مروطهنَّ فاختمرن بها .
صحيح سنن أبي داود (2/773) (3457)
فهل تستوي المستترة مع المستهترة ؟! والمحجبة مع المتفرنجة ؟! والتقيَّة مع الشقيَّة ؟! تالله لا تستويان ، لا في الدنيا ، ولا يوم يبعثان !

* أختاه !

هل تعلمين أن المتبرجة السافرة مهزومة من داخلها ؟ لأنها مهزوزة الشخصية ، مطموسة الهوية ، مسلوبة الإرادة ، لا تعتزُّ بدينها ، ولا تفخر بعقيدتها ..
فهي تشعر بدناءة نفسها ، وتحس بضعف ثقتها بذاتها ، فتحاول ستر هذه السوءة ، بسوءةِ التبرُّج والسفور وحبّ الظهور ، وكم قُصمت بهذا ظُهور ؟!
فأين هي ـ أسفاً عليها ـ من تلك الواثقة بطريقها ، المُعتزَّة بدينها ، والمستمسكة بأمر ربِّها .. فواسعداً لها !
لقد جعلت الحجاب مبدأ تعيش عليه ، لا يمكنها التنازل عنه ، وقضية تناظل من أجلها ، فكيف تتساوى مع من تتهاوى ـ في كلِّ يوم ـ تحت أقدام أعدائها ، يحرفونها عن مسارها كيفما أرادوا ، وهي سامعة مطيعة ، خاضعة ذليلة ، لا رأي لها أو قرار ، ولا فكر لها أو خيار ؟‍!
قال تعالى :
[ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ] الملك (22)
.
أختاه !

هل تعتقدين أن التبرج حضارة ، ومواكبة للتطور ، ومسايرة لركب التقدم ؟
الحقيقة أنها خدعة لا أظنها تنطلي عليك ، ولا أحسب أنك من ضحاياها ، فالتبرج عودة للعصور الهمجية ، ورجوع لأسن الجاهلية ، ولهذا جاء النهي الصريح في كتاب الله تعالى عن النكوص على الأعقاب ، والرجوع لزمن الوحش والغاب .

قال تعالى :[ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.. ] الأحزاب (33)
فهل ترضين بأن توصفي بالجاهلية ؟ أو تنسبين إلى العصور الحجرية ؟
انتبهي من مكر الأعداء ، واحذري من كيد الشيطان ، فالرقي والتقدم تستلزم التمسُّك بالآداب الشرعية ، والقيم الإيمانية ، وإلا فإنها الجاهلية الأولى ‍، واللوثة الكبرى ، والنكسة الأخرى !

أختاه !

هل تحتملين الحرمان من الجنة العالية لنزوة زائلة ، ولنشوة عاجلة ؟ تمضي سريعاً كومض البرق ، ثم يبقى الذنب في الصحيفة ، وقد يكون سبباً للحرمان من الجنة ، فيا له من حرمان موجع وغبنٍ مفجع !
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ " صِنفانِ مِن أهلِ النار لم أرَهُما . قومٌ معهُم سياطٌ كأذنابِ البقرِ يضربُونَ بها الناسَ ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ ، مميلاتٌ مائلاتٌ ، رُؤسُهنَّ كأسنةِ البُختِ المائلةِ لا يدخلنَ الجنةَ ، ولا يجدنَ ريحهَا ، وإنَّ ريحها ليُوجدُ مِن مسيرةِ كذا وكذا "
صحيح مسلم (3/1339) (2128) .

وعن أبي أذينة الصدفي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ
( ـ قال :" خير نسائكم الودُودُ الولودُ ، المواتية ، المواسية ؛
إذا اتَّقينَ اللهَ ، وشرُّ نسائكم المُتبرِّجاتُ المتخيلات ،
وهنَّ المنافقات ، لا يدخل الجنة منهنَّ إلا مثلُ الغراب الأعصم "
أخرجه البيهقي في السنن ، انظر :
السلسلة الصحيحة (4/464) (1849) .

وهذا الغراب في رجله ومنقاره لون أحمر ،
وهو نادر في الغربان .

أختاه !

لماذا تتبرجين ؟! أليس ليراك الناس ، فيعجبون بك ،
وينظرون إليك ، ويثنون عليك ، ويرضون عنك ؟!
فأين أنت عن البحث الدؤوب عن رضى الرب ـ سبحانه !
أيعقل أن رضى الله تعالى آخر ما تفكرين به ، وتبحثين عنه ؟!
أليست قلوب العباد بين يديه يقلِّبها كيف يشاء ؟! بلى !
فلماذا لا تجعلين الهمَّ همَّاً واحداً ؟!
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت :
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :
" من التَمس رضا الله بسخط الناس ؛ رضي الله عنه ،
وأرضى عنه الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله ،
سخط الله عليه ، وأسخط عليه الناس "
رواه ابن حبان في صحيحه ، انظر :
صحيح الترغيب والترهيب (2/547) (2250 )
وهو في الترمذي بلفظ قريب منه .

فأفيقي ـ يا أخيَّة ـ من هذا السبات العميق ، واحذري من آفات الطريق ، واعلمي أن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل ، وأنك راجعة إلى الله ، وواقفة بين يديه ، فخذي للموقف أهبته ، وللموقف عدته ، وللسؤال إجابته ، فلا يغرنَّك بالله الغرور ، فإلى الله ترجع الأمور .
 

مواضيع مماثلة

أعلى