نواعير سوريا تروي قصة اختراع أول تقنية مائية لاتزال صامدة أمام الزمن
هناك مدن عديدة في العالم تميزت بمعلم مهم اضحى رمزاً لها وتمثل النواعير علامة مميزة لمدينة حماة التي اشتهرت بها ولعل الجانب المهم الذي تكشف عنه هذه النواعير لا يتحدد في تميز هذه المدينة بنواعيرها بل بما يدل عليه وجودها اذ كشفت الحفريات التي اجريت في القلعة القديمة عن ان حماة عرفت اساليب الري القديمة منذ 2500 سنة ق. م .وهذا يسمح بالتخمين بأنه
كانت هناك وسيلة للري ربما كانت على شكل الناعورة او على شكل مختلف الا ان شكلها هو شكل الناعورة الحالي كما عثر في منطقة افاميا الاثرية على لوحة فسيفساء رسم عليها شكل الناعورة الحالي ويعود تاريخ هذه اللوحة كما هو مؤرخ عليها الى 500م.
شهدت سبعينيات القرن الماضي عملاً جاداً لاعادة عمل تلك النواعير التي تمثل جزءاً من آثار حماة المتميزة وكان هناك في نفس الفترة اربع نواعير تعمل وهي ناعورة البشريات الكبيرة وناعورة الجسرية وناعورة المأمورية ثم ناعورة الكيلانية وقد حاولت مديرية آثار حماة ايجاد طريقة للحفاظ على تلك النواعير لأن ارباب هذه المهنة اصبحوا في عمر لا يسمح لهم بالعمل ولذلك جرى تدريب عدد من الشباب على اعمال تصليح وتشغيل تلك النواعير من خلال الاستفادة من خبرة اولئك المهنيين.ومن اجل هذه الغاية ابرمت الدائرة عقوداً مع هؤلاء الشباب وجرى انشاء ورشة تمكنت من اعادة ترميم 17 ناعورة هي التي تشاهد الآن وهي تعمل
ويجري في كل عام ترميم ما يلزم من تلك النواعير.
ونظراً لأن النواعير تحتاج الى كمية كبيرة من الاخشاب قامت مديرية الآثار بزراعة شط العاصي بأشجار الحور لكي تستخدم اخشابها في وشحات هذه النواعير وهي الجزء الأكبر.
وتتألف الناعورة من جزأين جزء نباتي وجزء خشبي اما جزء البناء فهو يتمثل بانشاء سد على عرض النهر وتحديد بوابات صغيرة لكي تدخل منها المياه بغزارة كبيرة وتسمى البيب ويمكن ان تكون هذه التسمية تصغير لكلمة باب وهناك برج يحمل الماء من اعلى الناعورة الى الحقول اما الجزء الخشبي من الناعورة فيتألف من عدة اقسام هي الكفت التي تمثل مسند
الناعورة ويسمى القلب وهناك الوشحات والصدر والعتبات، الطبون والصناديق الى جانب
اقسام اخرى.
ويجب استخدام خشب شجر التوت او الجوز في قلب الناعورة في حين ان الوشحات تصنع من خشب الحور ويستخدم هذا النوع من الاخشاب لأنه يعمر طويلاً مع الماء.
ان ناعورة المأمورية التي يبلغ قطرها 24 مم ووزنها اربعين طناً أكبر ناعورة موجودة في مدينة حماة. وتتوزع النواعير على مجرى العاصي في المنطقة الممتدة بين الرستن والعشارنة ويبلغ عدد مواقع النواعير بين 80 و 100 موقع.
بعض الناس ينسبون النواعير الى زمن الرومان لكنها اختراع سوري لأنه لم يكتشف في ايطاليا على اثر يدل على وجود النواعير هناك كما ان المكتشفات الاثرية التي وجدت دلت على ان زمن النواعير يعود الى 2500 ق.م أي الزمن الذي سبق دخول الرومان الى حماة.
حماة هي مدينة قديمة مثلها مثل المدن العربية القديمة ولو نظرنا الى اي مخطط لتلك المدن لوجدنا تشابهاً كبيراً وفي حماة هناك الجامع الكبير الذي كان اساسه كنيسة تعود الى ما قبل الاسلام وفي حماة لا يوجد بيت يعود الى العصر الروماني لأن الابنية الخاصة لا تعمر اي هي لا تحافظ على شكلها على الأبنية العامة وقد واجهت لجنة اعادة احياء المدن القديمة .
والتي جرى تأسيسها منذ عام في مدينة حماة صعوبات كبيرة بسبب عدم وجود مختصين ولذلك كان لابد من اجراء دورات، والتجربة حديثة في هذا المجال فالتعامل مع القديم يحتاج الى توفر عدد من الشروط والمواصفات وهناك هيئات دولية ساهمت وتساهم في هذا الموضوع سواء من حيث الدعم المادي والعلمي او الدعم الفني والخبرات.
اما بالنسبة لجمعية العاديات التي مركزها في مدينة حلب ففي حماة فرع لها تم احداثه وساهمت في الاجتماع الأول الذي عقد العديد من الفعاليات حيث تساهم هذه الجمعية في دعم ومؤازرة مديرية الآثار والمتاحف ووزارة السياحة في الكشف عن المناطق الاثرية الى جانب تعميق الوعي بأهمية الآثار ونشره بين المواطنين من اجل اعطاء موضوع الآثار الأهمية المطلوبة
والعمل على الكشف عن المناطق الأثرية لكي يتم الكشف عنها من قبل الجهات المختصة.