ماذا يعني الوعي؟ بالنسبة لي، الوعي أعلى درجات العقل. ربما من المفيد أن أعرج على دلالة الكلمات للتفرقة بين الوعي والعقل. فالوعي جاء من كلمة وعاء وهي تعني الاحتواء للمادة الغزيرة الكبيرة، بينما العقل جاء من العقال أي الربط أو المنع لأنه يمنع الإنسان من فعل الأفعال المشينة. ويفرق هيغل بين الإنسان وما سواه من الموجودات في الطبيعة بالوعي حيث يصف الإنسان بأنه الموجود الوحيد الذي يعي ذاته. وقد اختلف العلماء كعادتهم في تفسير الوعي، وكيف يتأتى. واختلوا أيضا في العقل وما زالوا يختلفون.
العقل أهم نعمة وظيفية منحها الله للإنسان حيث يميز فيه بين الخير والشر وبين الحق والباطل وبين الجيد والحسن. هل لاحظت الثنائيات التي تحدد خيارات الإنسان؟ ثنائيات متحجرة تجعل من الحياة لونين متمايزين لا فكاك منهما. لكن الحقيقة أن الحياة أوسع من ذلك بكثير. فالثنائية التي تحيل التفكير الإنساني إلى مفتاح كهربي (إنارة/إعتام) تفصله عن كل التيارات التي تملأ الفضاء حوله.
الوعي
ولعل أقسى الخيارات تلك التي يضطر فيها الإنسان للاختيار بين خيارين اثنين مزيحةً إياه عن مساحات الفكر المستنير والمرونة المباحة. رُبّ قائل إن كثرة الخيارات مرهقة. ربما ذلك صحيح لكن الإرهاق هنا إرهاق ترف لا إرهاق ضيق كما هو الحال في التفكير الثاني ” أو الكهربي إن شئت”.
ولو ركبنا طائرة وغادرنا فيها الجسد البشري بكل تجلياته وتمايزاته ونظرنا من فوق إلى المجتمع فإن ثنائية الخيارات تضع المجتمع كله في تحشيد ضيق يصطرع فيه خياران تتكرس فيهما كل طاقات المجتمع. فلا عجب إذن من التكرار، أي النسخ المتكررة للإبداعات الواعية.
في التفكير الكهربي، تصبح الأفكار كمصابيح متكررة كل مائة متر في شارع ساحلي طويل، ما أن تُعجب بأنواره حتى يصيبك الضجر بعد نصف كيلو متر تقريبا. وربما تتأفف وتنادي على الطريق بأن تقصر.
يرتبط التفكير الكهربي بضيق الأفق وسطحية الوعي، وهي ظواهر خطيرة يؤز بضعها بعضا. فالتفكير الكهربي يدفع بتسطيحٍ أشدٍ للوعي بالأحوال والمآلات. وفي النهاية يؤدي هذا إلى انهيار المجتمع. الانهيار هنا كلي وليس جزئي حتى أنه يطال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والدين.
دعني أركز على الجانب الاقتصادي الفادح للوعي التسطيحي. المجتمعات التي يكون الوعي فيها سطحيا لا ترى قيمةً للتنوع. هذا ببساطة يعني أن كل مبدع سيضطر إما إلى التخلي عن إبداعه وتقليد الآخرين أو الاستمرار الانتحاري في مجافاة السيل المتدفق ضده.
تخيل لو ازداد وعي المجتمع بالفن مثلا. سيصبح للرسم قيمة وهذا يعني أن الرسام يمكن له أن يبيع لوحاته لأن ثمة من يقدرها. لو باع لوحاته سيجد منافسين له وبالتالي ستُخلق فرص عمل كثيرة لمن كانت هوايته الرسم ثم حوّلها إلى مهنة ضمن مشروع ريادي. ثمة من سيرسم لوحات وثمة من سينقش أو يرسم على الأكواب وثمة من يطرز الأسماء على المفارش. ستجد وظائفَ عديدةً تُشغل آلافا.
حينما يزداد الوعي بقيمة العمل الإنساني المبدع ككلٍّ فإن النظرة القاصرة للجهد البشري ستتغير ولن تجد أحدا يصمت حينما يدفع مليون دولار مقابل مبنى سكني لكنه يفاصل المهندس الذي صممه على خمسمائة دولار. المجتمعات الواعية تقدر المخزون الإبداعي للبشر وتقدر المنتوج المبدع لأولئك. المجتمعات التي ترتفع فيها قيمة الجمادات أكثر من البشر هي مجتمعات ملطخة بالوعي السطحي الذي يبدو كأنه لطخات طلاء فوق سطح أبيض بلا تناسق ولا ترتيب.
حينما يزداد الوعي سيدرك المجتمع قيمة الخدمات أكثر مما تقدمه له البضائع. بل سيفضّل القيمة التي تأتي من تكامل الخدمة مع المنتج. لن يرضيه أن يجد فندقا مزخرفا بل ستصبح عينه ناقدة وتميز بين النادل الذي يقدم له المشروب بطريقة عادية وبين آخر بطريقة لبقة. سيمايز بين المتجر الذي يقدم له كرسيا للجلوس ومناقشة المنتج الذي يريد وبين المتجر الذي يعرض أمامه عشرات المنتجات بلا شرح. والنتيجة ستكون أن رغبة الزبون في تقديم أسعار مبنية على مستوى الجودة عالية جدا في المجتمعات الواعية. وعلى العكس منها، في المجتمعات سطحية الوعي لن تفرق بين قميص أنتجته يد مبدعة في أيام وبين قميص صنعته آلة في دقائق.
إن المجتمع الواعي هو مجتمع متقدم اقتصاديا بالضرورة لأن الوعي خلق فرص عمل لا تكاد تخطر ببال أحد.
العقل أهم نعمة وظيفية منحها الله للإنسان حيث يميز فيه بين الخير والشر وبين الحق والباطل وبين الجيد والحسن. هل لاحظت الثنائيات التي تحدد خيارات الإنسان؟ ثنائيات متحجرة تجعل من الحياة لونين متمايزين لا فكاك منهما. لكن الحقيقة أن الحياة أوسع من ذلك بكثير. فالثنائية التي تحيل التفكير الإنساني إلى مفتاح كهربي (إنارة/إعتام) تفصله عن كل التيارات التي تملأ الفضاء حوله.
الوعي
ولعل أقسى الخيارات تلك التي يضطر فيها الإنسان للاختيار بين خيارين اثنين مزيحةً إياه عن مساحات الفكر المستنير والمرونة المباحة. رُبّ قائل إن كثرة الخيارات مرهقة. ربما ذلك صحيح لكن الإرهاق هنا إرهاق ترف لا إرهاق ضيق كما هو الحال في التفكير الثاني ” أو الكهربي إن شئت”.
ولو ركبنا طائرة وغادرنا فيها الجسد البشري بكل تجلياته وتمايزاته ونظرنا من فوق إلى المجتمع فإن ثنائية الخيارات تضع المجتمع كله في تحشيد ضيق يصطرع فيه خياران تتكرس فيهما كل طاقات المجتمع. فلا عجب إذن من التكرار، أي النسخ المتكررة للإبداعات الواعية.
في التفكير الكهربي، تصبح الأفكار كمصابيح متكررة كل مائة متر في شارع ساحلي طويل، ما أن تُعجب بأنواره حتى يصيبك الضجر بعد نصف كيلو متر تقريبا. وربما تتأفف وتنادي على الطريق بأن تقصر.
يرتبط التفكير الكهربي بضيق الأفق وسطحية الوعي، وهي ظواهر خطيرة يؤز بضعها بعضا. فالتفكير الكهربي يدفع بتسطيحٍ أشدٍ للوعي بالأحوال والمآلات. وفي النهاية يؤدي هذا إلى انهيار المجتمع. الانهيار هنا كلي وليس جزئي حتى أنه يطال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والدين.
دعني أركز على الجانب الاقتصادي الفادح للوعي التسطيحي. المجتمعات التي يكون الوعي فيها سطحيا لا ترى قيمةً للتنوع. هذا ببساطة يعني أن كل مبدع سيضطر إما إلى التخلي عن إبداعه وتقليد الآخرين أو الاستمرار الانتحاري في مجافاة السيل المتدفق ضده.
تخيل لو ازداد وعي المجتمع بالفن مثلا. سيصبح للرسم قيمة وهذا يعني أن الرسام يمكن له أن يبيع لوحاته لأن ثمة من يقدرها. لو باع لوحاته سيجد منافسين له وبالتالي ستُخلق فرص عمل كثيرة لمن كانت هوايته الرسم ثم حوّلها إلى مهنة ضمن مشروع ريادي. ثمة من سيرسم لوحات وثمة من سينقش أو يرسم على الأكواب وثمة من يطرز الأسماء على المفارش. ستجد وظائفَ عديدةً تُشغل آلافا.
حينما يزداد الوعي بقيمة العمل الإنساني المبدع ككلٍّ فإن النظرة القاصرة للجهد البشري ستتغير ولن تجد أحدا يصمت حينما يدفع مليون دولار مقابل مبنى سكني لكنه يفاصل المهندس الذي صممه على خمسمائة دولار. المجتمعات الواعية تقدر المخزون الإبداعي للبشر وتقدر المنتوج المبدع لأولئك. المجتمعات التي ترتفع فيها قيمة الجمادات أكثر من البشر هي مجتمعات ملطخة بالوعي السطحي الذي يبدو كأنه لطخات طلاء فوق سطح أبيض بلا تناسق ولا ترتيب.
حينما يزداد الوعي سيدرك المجتمع قيمة الخدمات أكثر مما تقدمه له البضائع. بل سيفضّل القيمة التي تأتي من تكامل الخدمة مع المنتج. لن يرضيه أن يجد فندقا مزخرفا بل ستصبح عينه ناقدة وتميز بين النادل الذي يقدم له المشروب بطريقة عادية وبين آخر بطريقة لبقة. سيمايز بين المتجر الذي يقدم له كرسيا للجلوس ومناقشة المنتج الذي يريد وبين المتجر الذي يعرض أمامه عشرات المنتجات بلا شرح. والنتيجة ستكون أن رغبة الزبون في تقديم أسعار مبنية على مستوى الجودة عالية جدا في المجتمعات الواعية. وعلى العكس منها، في المجتمعات سطحية الوعي لن تفرق بين قميص أنتجته يد مبدعة في أيام وبين قميص صنعته آلة في دقائق.
إن المجتمع الواعي هو مجتمع متقدم اقتصاديا بالضرورة لأن الوعي خلق فرص عمل لا تكاد تخطر ببال أحد.
