شمس مؤقتة (سوزان عليوان)

رحيق الزهور

الإدارة
[align=center][table1="width:95%;background-color:black;border:10px double darkred;"][cell="filter:;"][align=center]

.يُغادرُنا المكانُ
.مربّعاتُ الإسمنتِ أوّلاً، ثمّ المقاعدُ في إثرها
الفراغُ المباغتُ
.يفرضُ تأثيثَ الأرواح
1
كانَ علينا أن نكونَ أكثرَ صلابةً و بياضًا
كأنّنا الحوائطُ التي تُكَوِّنُ الزوايا
.و تسندُ السقفَ و الظلال
كانَ على أصابعِنا ألاّ ترتعشْ
و على الوقتِ
أن يمهلْنا قليلاً
كي نمنحَ اللحظةَ ألوانَ لوحةٍ أخرى
غيرَ البغيضةِ
.غيرَ قتامةِ ملابسِنا
2
لم نكن نشعرُ بخشونةِ البردِ
.أو بالخفافيشِ العالقةِ بصُوفِ معاطفِنا
كُنّا نسيرُ
كالتماثيل
مقنّعينَ بأحجارٍ من كهوفهم
.كارثةً لا تعني أحدًا سوانا
حملْنا الصناديقَ
و مشينا نحلمُ
بخشبِ التوابيتِ يخضرُّ
.يعودُ أشجارًا نتسلَّقُها
بقلوبٍ صغيرةٍ خبّأناها في الجيوبِ
كعُلَبِ سجائر مجهولةٍ لآبائنا
بخطواتٍ متهدّجةٍ
أنهكتْها الرطوبةُ في أصواتهم
بالمسافةٍ حينًا
و حينًا بالسعال
نزحنا
من وهمٍ إلى آخر
.جذوعًا تركلُ تشوّهاتِها في غبارٍ
من أينَ نبدأ
في مثلِ هذا الخواءِ الشاسعِ؟
و إلى أيِّ هاويةٍ
سيقودُنا الأسفُ؟
.العيونُ لاغيةٌٌ
.الأقدامُ أمطارٌ تتساقطُ بانتظامٍ مُدْهِش
3
لأبوابٍ أغلقناها على خلافاتهم
سنديرُ ظهورَنا المقوّسةَ و نمضي
وحيدِينَ صوبَ اختلافِنا
كشجرٍ غادرَ غابتَهُ
سنقطعُ كُلَّ الجذورِ التي تَصِلُ ترابَهُمْ بقلوبِنا
كأنّ الذينَ يسكنونَ الصراخَ
ليسوا آباءَنا
كأنّنا قادرونَ على النموِّ و الضحك
بضوءٍ قليلٍ
.دونَهُمْ
4
نحنُ الآنَ أكثرَ قدرةً على استيعابِ قسوتِهِمْ
و على افتعالِ الحنانِ
دونَ نفورٍ
،كلّما احتكَّ جلدُهُمْ بيُتْمِنا
و كلّما عبرتْنا أحضانُهُمْ
مُسْرِعَةً
كأنّها تهابُ ظلالَنا
تذكّرْنا الحانةَ التي احتوتْنا
و ليلاً كانَ يُرَبِّتُ على أكتافِنا المتكلِّسةِ
كلّما أحنيْنا على الخشبِ ظهورَنا
مُثقلينَ بهم
.أجنحةً دونَ وظيفة
5
.لا غربةَ أشدَّ من أصواتهم في النزاعِ
شرودُنا
إذ يزحفُ نحوَ عزلتِهِ
يطمئنُ فئرانًا تقضمُ حوافَّ النومِ
بأسنانٍ حادّةٍ
كأصواتهم
و لأنّ أعضاءَنا ناقصةٌ
.سيئنُّ الخشبُ في المفاصل
6
من الدخانِ
نُولَدُُ
و ليسَ من أرحامِ الأمهاتِ
كما أوهمتْنا العائلةُ صغارًا
لكنَّ المرايا التي تعكسُ كؤوسًا متكرّرةً بينَ الأصابع
ضلَّلَتْ رؤوسَنا
.تلكَ المثقلة بفاكهةٍ حامضة
7
هذا الدمعُ المنسكبُ في ترابٍ
غيرُ قادرٍ على إعادةِ الروحِ لخلايا الكلوروفيل الميّتةِ في أوراقٍ
لم تنجُ من حريقٍ أشعلناهُ
بأعقابِ السجائر
بغروبٍ تركناهُ وحيدًا وراءَنا
دونَ قصدٍ
دونَ درايةٍ بما يعنيهِ الجحيمُ آنذاك
.و لم تغفرْهُ لنا الغابةُ-الأمُّ
و إلاّ بماذا تفسّرونَ تعثُّرَنا
بجذورٍ قاتمةٍ
و ظلالٍ تتمايلُ
كلّما خطوْنا؟
8
مغروسونَ في الحرمانِ
حتّى أعناقِنا المتغضّنة
و لا لذّةَ
تحفُّ العروقَ
غير َهواءٍ قليلٍ
.تُسَرِّبُهُ الأجنحةُ العابرةُ لذبولِنا
لم نَكْبُرْ
إنّما المدرسةُ هي التي صَغُرَتْ
بسياجِها المطوِّقِ لبراءتِنا
و أشجارِ السَّرْوِ
.و الباصّات
.ِما كانَ لنا أن نتبعَ خطوَنا على النار
.ما كانَ لأيدينا أن تمتدَّ لتلكَ الكؤوس
9
لن نألفَ الضغينةَ التي تجمعُنا
و أقدامُنا المثبّتةُ في دائرةٍ
لن تطأ هذه العتمةَ ثانيةً
ربّما، بعدَ أيامٍ قليلةٍ
نعودُ بلا شمسٍ إلى المقهى
.بلا عصافير على الحواف
10
مُعبّأةٌ بدخانٍ يُبدِّلُ هيئتَهُ
من جبلٍ إلى تمساح
تحدّقُ في عزلتِنا
في مللٍ يبادلُنا ورقَ الكوتشينةِ
و علبةَ الكبريتِ
فيما الذينَ صلبوا طاقتَنا على خشبِ النماذج
يقتلعونَ الأحلامَ التي لم تنضج
بمناجل تلمعُ
دونَ أن يغيّروا ثيابهم
يهشّمونَ حيواتِنا
بمدنِها الصغيرةِ
.و مقاهيها المبتلّةِ على أرصفةٍ تتآكلُ
أطفالُها الذاهبونَ إلى المدرسةِ شاحبون
كما لو أنّ قلوبَهُمْ تفحّمت في الليلِ
.لتلائمَ البيوتَ التي يعلو بعواميدها الصراخ


[/align]
[/cell][/table1][/align]​
 

رحيق الزهور

الإدارة
رد: شمس مؤقتة (سوزان عليوان)

[align=center][table1="width:95%;background-color:black;border:10px double darkred;"][cell="filter:;"][align=center]
11
من السقفِ الذي تسندُهُ يدُ التثاؤب
لئلاّ يهبطَ الكابوسُ المتكرّرُ
كعنكبوتٍ
،متشابكًا بأصواتٍ تخفتُ
.تتدلّى حبالٌ دونَ جثث
نغلقُ أهدابَنا
كما في الموتِ
كما في دخولِنا هذه الحجرة السوداء
حيثُ وسادةٌ فقدتِ النومَ
و خزانةٌ عاريةٌ
و كرسيٌّ يجلسُ في ركنٍ
.مأخوذًا بجدارٍ خامس
نعلّقُ الشمسَ
لحظةً تعبرُ الرتابةَ دونَ مطرٍ
أو أشجارٍ
أو حيواناتٍ أليفةٍ تلعبُ معنا
مؤرجحينَ أوهامِنا على عتباتهم
صانعينَ في كُلِّ مرّةٍ تشكيلاً مختلفًا
تحملُنا الدهشةُ التي يُلقيها
إلى ذروةِ اللذّةِ
.لتقذفَنا فجأةً في الضجر
.الساعةُ لا تشيرُ إلى زمنٍ
.لا ساعةَ على الجدارِ أصلاً
.فقطْ حيواناتُ قماشٍ على الموكيت الأبيض
.هكذا، أوهمْنا السقفَ أنّنا بلا ماضٍ
12
كُلٌّ منّا حائطٌ
و ظلٌّ
و لوحةٌ خاصةٌ بحالتِهِ
يشردُ بين زواياها طويلاً
كأنّ المَرْسَمَ الكامنَ في مدينةٍ لم يمرّ بها قطارُنا
كانَ يطلُّ علينا
.تحتَ شجرةٍ لوّثْنا رئتيها بالسجائر
13
العازفُ الذي يستخدمُ علبةَ غيتارِهِ تابوتًا
سيقفزُ من بابِ القطارِ فجأةً
ترافقُهُ آلتُهُ الموسيقيّةُ
.و أصواتُنا
كعادتِنا
سنهزأُ بالأمرِ
.و نستمرُّ في الضحكِ و التدخين
لكنّنا في عودتِنا من مدينةِ الملاهي
سنتذكَّرُهُ
.و نتتبّعُ صدأَ دمعاتِهِ على القضبانِ الحديديّة
14
الهيكلُ العظميُّ في مختبرِ المدرسة
بالقبّعةِ السوداء
نحمي جمجمتَهُ من حرارةِ اللمبةِ الفوسفوريّة
من تسرُّبِ جنونِنا إليها
و بشيءٍ من الرهبةِ
نفتحُ الفكّينِ المثقلينِ بالصمتِ
مثبّتينَ سيجارةً مشتعلةً
.لن يتذوّقَ تبغَها
نُدْخِلُ سمّاعتينِ مكانَ أذنيهِ
و نهزُّ عظامَهُ
.معانقينَ عجزَهُ عن الرقصِ معنا
15
رؤوسُنا للفراغِ
لطيورٍ عملاقةٍ لا تمنحُ العظامَ ريشَها
لإلهٍ صغيرٍ
ألبسناهُ معطفَ دموعِنا
.كي تصدأَ في الأرواحِ المشوّهةِ مساميرُهُ
بعيدًا عن أجسادِنا المعتلّةِ
بهشاشةٍ يدركُها الحطّابونَ
و ينتهزونَها فرصةً لاغتصابِنا
.يُصْنَعُ الأثاثُ و تُحْكَمُ التوابيت
من جلدِنا الورقُ
.و قصائدُ المدرسةِ و المقاهي
.نحنُ الصناديقُ و الموتى بداخلها
ما يؤرّقُ الغاباتِ في رؤوسِنا
كلّما اختبأْنا-
تحتَ ملاءاتٍ ناصعةٍ
-كأسنانِ أطفالٍ مُبْتَسِمِين
افتقادُ خشبِ الأسرّةِ لجذورِنا
أو تسرّبُ أنفاسِنا المخمورةِ
.من شقوقٍ صغيرةٍ في إطاراتِ النوافذ
16
ما الغرابةُ
أيّها الأصدقاء
في عصفورٍ
يعبرُ غيمةً
في سقفِ الحانةِ
و يصطدمُ بشبيهٍ
في لمعانِ المرآة؟
ما عنصرُ المفاجأةِ
في تفكّكِ جمعتِنا
و تحلّلِ الشموسِ المدلاّةِ من الأعناق
إلى سوائل حامضة
تُفْسِدُ قمصانَنا المربّعةَ
و تُخْمِدُ سعالاً متقطّعًا في صدورِنا؟
كنّا على يقينٍ
أنّ أرصفةً متصدّعةً كرؤوسِنا ستنبذُنا
دونَ رفاقٍ أو موسيقى
.و أنّ أسنانَنا سيحرثُها الضحك
17
دائمًا في أمكنةٍ ضيّقةٍ
.تُعيقُ رفرفةَ أذرعتِنا
على ظهورِ المقاعد
نسندُ تقوّسًا وراثيًّا
.ضاعفت درجتَهُ حقائبُ المدرسةِ و السفر
ندخّنُ الهزائمَ بشراهةٍ عضويّةٍ
أحيانًا، نميلُ برؤوسِنا إلى الوراءِ
.لعلّ الصداعَ يسقطُ بالوساوس
الأسودُ الحادُّ
وحشةٌ على الجدرانِ
دونَ لوحاتٍ
.دونَ ظلالٍ تمرُّ
لأطفالِنا الميّتين
خفّةُ الملائكةِ في الأحضان
لهم جلدُ في حنانٍ مزرقٍّ
و عيونٌ منمنمةٌ أليفةٌ
.تحدّقُ في فجيعتِنا و لا ترانا
18
لن يصحبَنا أحدٌ إلى تلكَ الحجراتِ المخنوقةِ المتربة، حيثُ لا مفاتيحَ ضوءٍ و لا نوافذَ نواربُها.
ستكونُ الأمهاتُ مشغولاتٍ بإخوتِنا، أشباهًا جارحينَ كحوافِّ المرايا. سيذرفنَ الحسرةَ دونَ انتباهٍ في الأواني، ليكونَ طعامُ العائلةِ مالحًا، مرًّا، كالترابِ في أفواهِنا، كلّما ابتسمْنا لملاكٍ يعبرُ عتمتَنا و يتوارى.
أمّا الأصدقاء، فلا بدّ أنّهم سيعونَ فكرةَ الموتِ مبكرًا و يرتبكونَ تجاهَ التعلّقِ و الفقد. ربّما يتركونَ لنا بعضَ ورداتٍ على عتباتِ أبوابٍ لن تُفْتَح.
سنذهبُ وحيدينَ إذًا، ترافقُنا الأجسادُ لحينٍ، ثمّ تُنْسَلُ ببطءٍ خيوطًا لا تلحظُها الستائر، تمامًا كالأرواحِ التي غادرتْنا.
19
.كانَ الحنانُ أوّلَ من سقطَ منّا
.كانَ الليلُ أطولَ من أذرعتِنا في العناقِ
يداك في فراغٍ
.و الاستحواذُ كامنٌ في كمائنِ الاحتواءِ
لم تكن تلكَ المحبةُ خالصةً
المرآةُ لم تكشفْ لي أوراقًا
شجرةٌ هَوَتْ في شارعِكَ
.أخرجتني من وهمِ الغابةِ
هل كانَ حِضْنُكَ حقيقيًّا؟
هل أسندتُ رأسي -فعلاً- على روحٍ تنتفضُ عبرَ أنفاسِها؟
.لا أذكرُ من الحجرة ِسوى نافذةٍ بحجمِ البحرِ أغرتْني بانتحارٍ أجّلتُهُ لحينَ فقدانِك
.ذلكَ العطرُ ما زالَ عالقًا بالخيوطِ التي قطعتُها، ملاكًا مشنوقًا من جناحيهِ
ظلُّ الطائرةِ الورقيّةِ لا يغادرُ مساحةَ طفولتي
رغمَ أنّني أفلتُّها
.و بترتُ أصابعَ اليدِ الواحدةِ التي كنتُ أحصي بها أصدقائي
20
كنافذةٍ ملوّنةٍ في لوحة
قطٌّ
على حافَّتِها
رغبتُهُ صفراء
أطلُّ
و رؤوسُ الصغارِ
على غيمةٍ خشنة
.تجرحُ الأجنحةَ في عبورِها
لا معطفَ أدسُّ في جيبِهِ وردتي
لا خواتمَ
.لا عازفَ كمانٍ على سطحِ البيتِ المجاور
.برجٌ منتصبٌ كشجرةٍ معدنيَّة
.بناياتٌ مبعثرةٌ، مطفأة
رغمَ هندسةِ الحنانِ في مكعّباتِ السُكَّرْ
أتفكّكُ
عن خلفيّةِ الرموزِ و أطفالِ الورق
عن الزجاجِ المغبرِّ في سنواتٍ دهسَتْ براءتي
مثلَ شاحناتٍ ثقيلةٍ
قوّسَتْ جسورَ الليل
."بما أسمّيهِ الآنَ "الوعي

[/align]
[/cell][/table1][/align]​
 

رحيق الزهور

الإدارة
رد: شمس مؤقتة (سوزان عليوان)

[align=center][table1="width:95%;background-color:black;border:10px double darkred;"][cell="filter:;"][align=center]21 [/align][align=center]
.لن أذرفَ أقنعتي على الطاولةِ أمامهم
سأدلقُ براميلَ من الألوانِ و البيرة
موهمةً أصدقائي بالبهجةِ
.غناءً خلفَ أبوابِ الحمامات
من الخيوطِ و القصاصاتِ
-إذ لم أمتلك الأحجارَ في تدحرجِها-
.سأصنعُ المشانقَ و الميِّتين
لشموسٍ عديدةٍ
بستارتي لوّحتُ
لراحلينَ
خلّفوا سجائرَهم في المنافض
.تفنى من تلقاءِ نفسِها
كُلُّ ما كانَ لي
تركتُهُ على الحبالِ
القمصانُ
و تلكَ الجثثُ المزرقّةُ
كأظفاري
كسماءٍ في الحقدِ
تمطرُ الغابةَ
.بضحكٍ حامضٍ و خذلان
كُلُّ ما حلمتُ به
خذلني
و كأنّ قدميّ الصغيرتينِ
.مخلوقتانِ للانزلاقِ
22
كجذعٍ هجرتْهُ العصافيرُ
أقفُ وحدي
أكسرُ حدّةَ الفراغِ
بقامةٍ ضئيلةٍ
و أصدُّ الرياحَ المنهكةَ
عن ظلٍّ يتطايرُ
.و لا يلامسُ أطرافَ المطر
كلّما قطعتُهُ التأمَ
الشريانُ الذي يَصِلُ خياناتِهِمْ بدمي
و هذه الديدانُ
كلّما هَوَتْ
متخمةً بفاكهتي
أعدتُها إلى الجرحِ
.يدًا تجدّدُ خلايا عزلتِها
بمفتاحينِ ذهبيّينِ
-هما كُلُّ ما تبقّى منهما-
أغلقُ عينيّ
على الفقرِ في العلاقةِ
على هذيانِ المرتعدينَ من أنفاسهم
لعلّي في الوقتِ الذي على هيئةِ نهرٍ
أسقطُ
.خشبًا على خديعةٍ
23
.شبحًا، أخترقُ الجدارَ
أستلقي على آلامِ ظهري
شاردةً في السقفِ الشاهقِ
.كصرخةِ جبلٍ
جثّتي مدلاّةٌ
تتأرجحُ بينَ ظلالهم
طائرةً من الورقِ المقوّى
عَلِقَتْ بجسرٍ أحدبٍ
يعبرُهُ الصبيةُ العائدونَ من مدارسهم
يجمعونَ عصافيرَ ميّتةَ في الطرقاتِ
يتبادلونَ الأجنحةَ
حالمينَ بفضاءٍ أكثرَ اتّساعًا
و آباءٍ أقلَّ قسوةً
خشيةً من تآكلِ الأبوابِ
.بأحقادِ البكتيريا
قلبي فردٌ
آنيةُ دمعٍ خاويةٌ
إلاّ من عفونةِ الأزهارِ المتحلّلةِ إلى حشراتٍ
.تتنامى على غبارِ الكومودينو الأسود
24
بأيّةِ يدٍ أقفلُ النافذة َعلى المشهد؟
.صناديقُ الموتى تزحمُ حجرتي
.الأمُّ تهمسُ لعشيقِها بأسرار ِالعائلةِ
،صوتُها الخؤونُ يقودُني على أسلاكٍ مكشوفةٍ
و هذه الجرذانُ في الزوايا متربّصةٌ
.تتغذّى على ما ترسّبَ في الدمِ من أقراصٍ مهدّئة
.مسّني جنونٌ
أصابعُ المهرّجينَ في خواتمِ الدخانِ
و الحسرةُ شجرةٌ محنتُها الفقدُ
.تحدّقُ في حذائها
هل يستمرُّ الأطفالُ الملوّنونَ طويلاً على بياضِ الحوائط؟
من دلّ أقدامَهُمْ على طريقٍ سلكَتْهُ الراقصةُ بعدهم؟
و كيفَ استطاعوا أن يتسلّلوا إلى الكوابيس
دونَ أن يرجّفوا الظلّ؟
وحيدونَ في حضنها
رغمَ تداخلِ الأعضاءِ و الشوارع
يعانقونَ دميةً تُشْبِهُها و لا تُبادِلُهُمْ القُبَلَ
و لأنّ السلالمَ لا تصعدُ
يتسلّقونَ آثامَهُمْ
عتمةً ثنائيةَ الجنسِ
.وردًا عائمًا يرافقُ انجرافَ الجثّة
ربّما يكونُ الادراكُ قد أتلفَ تعدّدي
فلا أستمتعُ بالصخبِ و الكؤوسِ ثابتةً
.و لا أقوى على تحمّلِ حناني
.شخوصٌ يتكاثرونَ حولَ السرير
.يُعْتِمونَ في الغيبوبةِ مساحةَ الركضِ
بطلقةٍ واحدةٍ
يمكنني التخلّصَ من كُلِّ هذه الأشباحِ في الرأس
.في أنفاسِ حجرةٍ تضيقُ و تتّسعُ
25
.عبرتُ
.رأيتُ غابةً هادرةً
.أعرفُ الوجوهَ
.لا أذكرُ أسماءَها
.ليسَ الأزرقُ لونًا أو سماءً أو بحرًا
.الأزرقُ لوحةُ طفولتي
،الأزرقُ عصفورٌ بلا شجرة
.أسماكٌ في العينين، في الرئتين، في العروق
رأيتُ قصيدتي تغادرني
،كالمكان)
(كمربّعاتِ الإسمنتِ و المقاعد
روحًا تحلّقُ فوقَ الجثّةِ
.ثم تتّجهُ نحوَ النفق
.إنّني الآن على الجانب الآخر
.عبرتُ حياتي حيثُ لا شئ، لا أحد، سوى هذا الفراغ الأسود
.ما من أحدٍ مغلق
26
الشوارعُ ذاتُها
بالأسماءِ التي تحملُها منذُ قرونٍ
بأشجارِها العاريةِ
.عروقًا في أعضاءِ الفراغ
عناوينُنا فقطْ
.هي التي تغيّرت
أمشي
ظلّي آخر
شأنَ أفرادِ العائلةِ
.مثلَ أصدقائي
ثمّةَ عصافير من الغليسرين تنهمرُ
مطرًا خادعًا
رغم تدفّقِهِ
.كالحنانِ الذي في قسوتك
27
.ليست هذه مدينتي، أعلمُ
الخواءُ ضيّقٌ، ما من رفاقٍ في هذا البلدِ البعيدِ يوسّعونَ الروحَ
.و الأمكنة
أكثرَ وحدةً من جثّةٍ لم تألف عتمتَها بعد
الذينَ أخمدوا صرختي بترابٍ
.عادوا إلى منازلهم
في انتظارِهِ
.سريرٌ و امرأة
أدخّنُ الفقدَ
رئتينِ متفحّمتينِ تنتفضانِ بسعالك
كي أصنعَ غيمًا يؤنسُ ظلّي
.و أجعلَ من السقفِ سماءً صغيرة
28
من أطفأ الأباجورةَ العاليةَ في غرفتي؟
.لا بدّ أنّ شبحًا يقيمُ حيثُ كانَ لي في الزاويةِ سريرٌ
،ثمّةَ يدٌ مجهولةٌ نزعتْ صورةَ المغنّي عن جدارِها
.و ألقت بخشبِ غيتارِهِ في المدفأة
.الستارةُ في الطابقِ الثالثِ من العتمةِ و الريحِ تلوّحُ
لعلّها لمحتُ يدي المعلّقةَ في خواءٍ
.غيمةً بلا خواتم
29
الشجرةُ التي حدّثتني عنها مرارًا
التي تسقطُ أوراقَها الصفراء
كمن ينفضُ عن معطفِهِ بعضَ الغبار
.لم تعد أمّي
.ما عادَ الطائرُ الأزرقُ الذي تطوّقُهُ بذراعيها يأمنُ مزاجَ حنانها
30
هكذا أعودُ
في ساعةٍ متأخّرةٍ من التعبِ
.لعلّ الجمرَ الذي في الأعضاءِ يستحيلُ رمادًا
.أخرجُ عن سياقِ الكؤوسِ و الأصدقاء
.أغادرُ الضحكَ مكانًا لا يتّسعُ لانسكابي
.أتبعُ الوقتَ الذي مرّ كغريبٍ تحتَ النافذة
.لم يعد في القسوةِ ما يُدْهِشُ
يدي اعتادت سقوطَ خواتمها
و أشباحَ المحبَّةِ
خارجةً من المناديل
.حينَ ألوّحُ
هكذا
عبرَ البياضِ في أكفانٍ مرصوصةٍ خلفَ البابِ
...توطّدت علاقةُ الأصابعِ بالفراغِِ
.أطفالي نائمونَ في الورق
توسّدوا الألوانَ
.ناموا
.مُحْكَمٌ بيننا الزجاجٌ، لئلاّ توقظَ أحدَهُمْ خشونةُ سعالي
.أستلقي على السريرِ الأَرِقِ بثيابي
.علبةُ السجائر في مكانِها و الهاتفُ المنسيّ
أفكّرُ في النُدْبِ الذي في خدّها الأيمن. تلكَ المرأةُ الغامضةُ لم تُسْقِطْ كُلَّ جلودِها. ليست عاهرةً، كما صوّرَتْ لنا ملابسُها الفاضحةُ أحيانًا و تعدّدُ لهجاتِها. و لا أعتقدُ أنّ المقهى المهدومَ سيعودُ إلى ما كانَ عليهِ: قشُّ السقفِ و الجدران، الحبالُ ال
.أُغْمِضُ
.ما عاد ممكنًا أن أستعيدَها أمًّا ليتمي
.حضنُها مغلقٌ. ما من مفتاحٍ للبوّابةِ التي تخذلُ ظلّي كلّما اقتربْت
31
تحتَ مطرٍ من شجرٍ في السماءِ
سأقفُ
جذعً ميّتًا
نحتَتْهُ
-ليصيرَ أنا-
ريحٌ
.في خشبِهِ، نفخَتْ روحَها
سيّاراتٌ قليلةٌ ستعبرني
في ظلّي، سيدخّنُ صغارُ المدرسةِ
كما كنّا نفعلُ في الماضي تمامًا)
تحتَ تلكَ الشجرةِ الكبيرةِ
قُرْبَ البوّابةِ الرئيسيةِ
.(و السورِ الأحمر
سأنصتُ لارتطامِ الطيورِ
على المعطفِ البلاستيكيّ
و الأسفلتِ الموحشِ
حتّى تُفقِدني أحماضُ الملائكةِ وجهي
و يدي
.و الأرضَ التي لم تعرف بعدَ الغيابِ حذائي
32
البابُ المعدنيُّ الأخضرُ
ذو القضبانِ العديدةِ و الحارسِ الأوحد
الذي كنّا ندخلُهُ في الصباحِ ركضًا و الحقائبُ الصغيرةُ تقفزُ على ظهورِنا مثلَ ضفادع تبعتْنا من النهرِ البعيدِ
.البابُ -عتبةُ الجنّةِ في الخروجِ- مغلقٌ على طفولتِنا
.يدي تحثّني على ملامسةِ حديدٍ مبتلّ
.لا أجرؤ
33
على الرصيفِ المقابلِ، شبحُ ذلكَ المقهى. دوريٌّ على كتفِهِ الأيمن يحدّقُ في ظلّي. غبارُ السنواتِ بيننا. مِنْهُ، يولدُ المكانُ ثانيةً، و تحلّقُ عصافيرُهُ بذاكرتي:
البابُ الخشبيُّ الخشنُ، المتأرجحُ الستارةِ بينَ صقيعِ الشارعِ العموميّ و الدخان. الطاولاتُ المستطيلةُ ذاتَ المنافض و الفناجين و الصحون و الأيدي. الكراسي التي قوّسَتْ ظهورَنا. الجدرانُ الصفراءُ كأسنانِنا. النادلةُ الطيّبةُ التي تعرفُنا أكثرَ من أمّهاتِنا.
مروة، عالية، منى، أنا: أربعةُ حوائط هُدِمَتْ في مثلِ هذا المطر.
.السقفُ موتٌ ملوّنٌ، معلّقٌ في الخواءِ، يظلّلُ رأسَ الشبحِ و دهشةَ الدوريّ على الرصيفِ المقابل
34
تحتَ هذا المطر المتساقط من الأعالي
سأقفُ
جذعًا يقلّ
.وحلاً تتكاثرُ فيه أعقاب السجائر
.لن يفتحَ البابَ الحطّابُ الذي قطّعَ أعضائي
لن تحطّ على كتفي
لن تدركني
في هذا المكانِ القديمِ
.شمسُ الأصدقاء
35
.أرجّحُ الاحتمالاتِ الطيّبة لِكُلِّ السوءِ الذي حدث
المحبَّةُ خدعةٌ
و الحنانُ مشبوهٌ
.لكنّني -رغمَ حدّةِ الألمِ- سأستمرُّ في تصديق ما لا أراهُ
[/align][/cell][/table1][/align]​
 
رد: شمس مؤقتة (سوزان عليوان)

2
لم نكن نشعرُ بخشونةِ البردِ
.أو بالخفافيشِ العالقةِ بصُوفِ معاطفِنا
كُنّا نسيرُ
كالتماثيل
مقنّعينَ بأحجارٍ من كهوفهم
.كارثةً لا تعني أحدًا سوانا
حملْنا الصناديقَ
و مشينا نحلمُ
بخشبِ التوابيتِ يخضرُّ
.يعودُ أشجارًا نتسلَّقُها
بقلوبٍ صغيرةٍ خبّأناها في الجيوبِ
كعُلَبِ سجائر مجهولةٍ لآبائنا
بخطواتٍ متهدّجةٍ
أنهكتْها الرطوبةُ في أصواتهم
بالمسافةٍ حينًا
و حينًا بالسعال
نزحنا
من وهمٍ إلى آخر
.جذوعًا تركلُ تشوّهاتِها في غبارٍ
من أينَ نبدأ
في مثلِ هذا الخواءِ الشاسعِ؟
و إلى أيِّ هاويةٍ
سيقودُنا الأسفُ؟
.العيونُ لاغيةٌٌ
.الأقدامُ أمطارٌ تتساقطُ بانتظامٍ مُدْهِش
ما كنت بعرف ولا شي عن هالكاتبه وجواهرها
كل شي مكتوب حقيقي
بيعبر عن هالدنيا اللي عايشين فيها :ka boom:
شكرا رحيق
يعطيكي العافيه

56.gif


 

روحs

كاتب جيد جدا
رد: شمس مؤقتة (سوزان عليوان)

..
مغروسونَ في الحرمانِ
حتّى أعناقِنا المتغضّنة
و لا لذّةَ
تحفُّ العروقَ
غير َهواءٍ قليلٍ
.تُسَرِّبُهُ الأجنحةُ العابرةُ لذبولِنا
لم نَكْبُرْ
إنّما المدرسةُ هي التي صَغُرَتْ
بسياجِها المطوِّقِ لبراءتِنا
و أشجارِ السَّرْوِ
.و الباصّات
.ِما كانَ لنا أن نتبعَ خطوَنا على النار
.ما كانَ لأيدينا أن تمتدَّ لتلكَ الكؤوس
..


يعطيك الف عافية
اختيارات ممتعة
دمت بألف خير
 

رحيق الزهور

الإدارة

رحيق الزهور

الإدارة
رد: شمس مؤقتة (سوزان عليوان)

..
مغروسونَ في الحرمانِ
حتّى أعناقِنا المتغضّنة
و لا لذّةَ
تحفُّ العروقَ
غير َهواءٍ قليلٍ
.تُسَرِّبُهُ الأجنحةُ العابرةُ لذبولِنا
لم نَكْبُرْ
إنّما المدرسةُ هي التي صَغُرَتْ
بسياجِها المطوِّقِ لبراءتِنا
و أشجارِ السَّرْوِ
.و الباصّات
.ِما كانَ لنا أن نتبعَ خطوَنا على النار
.ما كانَ لأيدينا أن تمتدَّ لتلكَ الكؤوس
..


يعطيك الف عافية
اختيارات ممتعة
دمت بألف خير

اشكرك ع مرورك
نورت
 

مواضيع مماثلة

أعلى