أصناف من العبودية

الدكتور اس او اس

كاتب جديد
[font=&quot]أصناف من العبودية[/font]
[font=&quot]قهرتني الحياة ونظرات الازدراء ... في مدينة الصالحين ... وجفلتُ كما تجفل الطيور ... وهاجرت ... وظننت أني سأنزع نير العبودية ... ولكني اكتشفت نوع آخر من العبودية ... فعدت كما تعود الطيور لأعشاشها ... ووجدت عشي قد مزقته الغربان وسكنت فيه الأفاعي بأنواعها وألوانها، رحلت وكانت الكوبرا أم رقبة طويلة هي المسيطرة ... وعندما عدت وجدت أصناف أخرى تشترك مع الكوبرا لإيذاء البشر والشجر والحجر حتى الحية المجلجلة أم جرس ولم تتوان العقارب والعناكب بلسعاتها السامة. [/font]
[font=&quot]لست أدري لماذا يراودني اعتقاد وأنا مرتاح البال والضمير بان كل الذين قالوا بنظرية انتهاء عصور العبودية كانوا واهمين على الأغلب، فالواقع الذي نعيشه قد أسقط كل نظرياتهم في الرومانسية وفي تحرير العبودية القائمة. لم يحسنون التصويب، فقد اخطئوا في إصابة الهدف فطاشت سهامهم بعيدا في فضاء التخمينات البعيدة عن واقع الحياة. [/font]
[font=&quot]عندها جال بخاطري أمورُ عدة منها: لا يجوز بناء أسس الفكر الصحيح والمنطق السليم المعافى أن تحكم على الأشياء من خلال بطن ممتلئ، فالأحكام في مثل هذه الحالة قد تخرج من بطنك ومن أمعائك الممتلئة على شكل سحابة ضبابية وقد امتزجت فيها رائحة البصل والثوم، لذلك كن على يقين أن الحكم في مثل هذه الحالة لن يكون نابعاً من عقلك الواعي ... بل من غيبوبة البطون .... ثم إن شؤون الأمعاء الداخلية وانشغالها بعملية الفتك بالأطعمة الداخلة إليها عندها معدتك هي التي تسرق القرار من فمك وفي مثل تلك الحالة لن تكون الأحكام الصادرة من محض تفكيرك. ثم أن حالة الشبع التي تعاني منها هي الذي تقمع العاطفة في قلبك. [/font]
[font=&quot]ولهذا فانا أرى أن العكس تماما هو الصحيح، فعلى الأرجح أن ساعة العبودية قد دقت من جديد لتعلن بداية عصر الاضطهاد من الإنسان لأخيه الإنسان، طبعا ليس المقصود كما يتبادر إلى الذهن صورا من العبودية الكلاسيكية كأن يأتي أحد النخاسين إلى السوق وهو يجر ورائه طابورا من العبيد المقيدين في السلاسل ثم يقوم ببيعهم بالجملة أو المفرق، ليس هذا الذي أقصده بعصر العبودية الجديد ... هذه الدقات المرعبة التي جفلت منها الطيور ... ولا احد يعرف متى سينتهي زمانها، قد يطول الأمر إلى أن تخرج الأرض أثقالها ويتساءل الإنسان حينها ... ما لها ... أما البراهين على أن عصر العبودية قد بدأ فعلا فهي كثيرة ووفيرة ولنبدأ مثلاً بالمال.[/font]
[font=&quot]ألا ترى أن المال قد فاض في أيدي طائفة من الناس فعزلهم عن بقية البشر، وهنا اقصد عزلا فوقيا فارتفعوا هم وانخفض الآخرون فرجحت إحدى كفتي الميزان على حساب الكفة الأخرى وهنا وقع هذا الخلل الشنيع ... فالذين ارتفعوا بعد أن أعطاه الحظ الغادر دفعة مجانية إلى الأمام، أصبحوا هم السادة بسطوة المال وقوة الدائن للمدين، أما الذين انخفضت بهم كفة الميزان فقد أصبحوا هم العبيد في الأرض ... فان قلت لي بان قانون الصدفة هو الذي تسبب في هذا، وهو الذي عمل على ترتيب الحياة هكذا، عندها يكون ردي: كلامك لن يجد عندي صرفاً لأنه شيك مزور لا يمكن التعامل معه في بنك الحقيقة، وسيبقى المتهم الرئيسي في نظري هو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان. [/font]
[font=&quot]ولكن لنسال أنفسنا سؤالا منطقيا وبعيدا عن فلسفة المكر والمراوغة ... فلسفياً واقعياً سمه ما شئت ... إذ كيف يمكن لذلك المسكين أن يفكر، وهو الذي ... كيف يفكر المسكين الذي هوى به حظه العاثر إلى الطبقات السفلى في بازار البشرية، ومن ثم سحقته الحاجة المذلة إلى القرش تحت أحجار الرحى. وهنا يأتيك الجواب ببساطة الذين لا زالوا في الصفوف الابتدائية الأولى ... وهو انك سترى ذلك الفقير المسكين وقد حاصرته احتياجاته من كل اتجاه ومارس عليه الواقع المؤلم سياسة لوي الذراع، لتكون الصورة التي يعيشها ذلك المسكين كالتالي: حيث يبدأ نهاره بأن ينسج في خياله المواقف تلو المواقف ويرتبها وليس في عقله ولا في نفسه سوى فكرة واحدة، و هي كيف يتودد لذلك الثري حتى لو كان هذا التودد على حساب مذلته، ففي النهاية لابد لنا أن نعترف بان للمال سلطان قوي ولسان آمر ونفوذ قد يصل إلى درجة الحل والعقد بغير حق، ولذلك فهو فقط يريد استرضاءه ليستمر بالحياة، أو على الأقل ليفلت وينجو بروحه من سطوة اليد الممتلئة، أليست هذه صورة من صور العبودية بطريقة ما.[/font]
[font=&quot]كل منا عبد لشهواته التي لا تنتهي وما أكثر تصنيفاتها، ويحدث أحيانا أن يكون الإنسان عبدا لنمط معين في الحياة فهو لا يستطيع التحرر من تلك الأغلال ... التي باتت تقيد فكره ... على سبيل المثال... غالبية شبابنا وفتياتنا عبيد لآخر تقليعة عصرية أو ما يسمى بالموضة ... [/font]
[font=&quot]اكتفي هنا بهذه الخربشة ولنا عودة إن شاء الله.[/font]
[font=&quot]ومالنا غيرك يارب[/font]
 
التعديل الأخير:
المواضيع المتشابهة

1wajeeh

كاتب جديد
جزاك الله خيرا ع الموضوع الرائع ورزقك الجنة
سلمت الانامل الذهبية التي خطت هذا الموضوع الجميل
تقبلي مروري البسيط
دمت بخير
 

wwee

كاتب جديد
آختيَآرَ جَميلَ جِدآ
سَلمتَيِ علىَ هذهِ الآطَروحهَ الآنيقَهَ
وَسَلِمتَ يُمنَآكِ المُخمليِهَ لِ جلبهآ المُتميزَ
جَزيَلِ شُكِريَ
 

الدكتور اس او اس

كاتب جديد
رد: أصناف من العبودية

لن أسميها خربشات بل تأتآت من واقع الحياة
دكتور اس او اس
جميل جداً ماتكتبه ...~ :wub:

أسميها ما شئت .... يحق للشاعر ما لا يحق لغيرة ....
أشكر مروركم الجميل
 

الدكتور اس او اس

كاتب جديد
رد: أصناف من العبودية

الأخت همس الشوق
أشكر مروكم وتشجيعكم واطمع دائماً بتعليق ووجهة نظر تقيم وتشذّب خربشاتي .
اكرر شكري.
 

مواضيع مماثلة

أعلى