مفهوم الجهاد في سبيل الله .. سيد قطب..

عبدالحي عداربه

كاتب جيد جدا
الجهاد في سبيل الله .. سيد قطب.

يقول: معرفا لماذا فرض الجهاد في سبيل الله؟ :
إن بعض المغرضين من أعداء الإسلام يرمونه بالتناقض ; فيزعمون أنه فرض بالسيف , في الوقت الذي قرر فيه: أن لا إكراه في الدين . .
أما بعضهم الآخر فيتظاهر بأنه يدفع عن الإسلام هذه التهمة ; وهو يحاول في خبث أن يخمد في حس المسلم روح الجهاد ; ويهون من شأن هذه الأداة في تاريخ الإسلام وفي قيامه وانتشاره . ويوحي إلى المسلمين - بطريق ملتوية ناعمة ماكرة - أن لا ضرورة اليوم أو غدا للاستعانة بهذه الأداة !وذلك كله في صورة من يدفع التهمة الجارحة عن الإسلام ! . .
وهؤلاء وهؤلاء كلاهما من المستشرقين الذين يعملون في حقل واحد في حرب الإسلام , وتحريف منهجه , وقتل إيحاءاته الموحية في حس المسلمين , كي يأمنوا انبعاث هذا الروح , الذي لم يقفوا له مرة في ميدان !
والذي آمنوا واطمأنوا منذ أن خدَّروه وكبَّلوه بشتى الوسائل , وكالوا له الضربات الساحقة الوحشية في كل مكان ! وألقوا في خلد المسلمين أن الحرب بين الاستعمار وبين وطنهم ليست حرب عقيدة أبدا تقتضي الجهاد !
إنما هي فقط حرب أسواق وخامات ومراكز وقواعد . .
ومن ثم فلا داعي للجهاد ! لقد انتضى الإسلام السيف , وناضل وجاهد في تاريخه الطويل . لا ليكره أحدا على الإسلام ولكن ليكفل عدة أهداف كلها تقتضي الجهاد .

جاهد الإسلام أولا ليدفع عن المؤمنين الأذى والفتنة التي كانوا يسامونها ; وليكفل لهم الأمن على أنفسهم وأموالهم وعقيدتهم . وقرر ذلك المبدأ العظيم الذي سلف تقريره في هذه السورة - في الجزء الثاني - (والفتنة أشد من القتل) . . فاعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها , وفتنة أهلها عنها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها . فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وفق هذا المبدأ العظيم . وإذا كان المؤمن مأذونا في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله , فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه . .

وقد كان المسلمون يسامون الفتنة عن عقيدتهم ويؤذون , ولم يكن لهم بد أن يدفعوا هذه الفتنة عن أعز ما يملكون . يسامون الفتنة عن عقيدتهم , ويؤذون فيها في مواطن من الأرض شتى . وقد شهدت الأندلس من بشاعة التعذيب الوحشي والتقتيل الجماعي لفتنة المسلمين عن دينهم , وفتنة أصحاب المذاهب المسيحية الأخرى ليرتدوا إلى الكثلكة , ما ترك أسبانيا اليوم ولا ظل فيها للإسلام ! ولا للمذاهب المسيحية الأخرى ذاتها ! كما شهد بيت المقدس وما حوله بشاعة الهجمات الصليبية التي لم تكن موجهة إلا للعقيدة والإجهاز عليها ; والتي خاضها المسلمون في هذه المنطقة تحت لواء العقيدة وحدها فانتصروا فيها ; وحموا هذه البقعة من مصير الأندلس الأليم . . وما يزال المسلمون يسامون الفتنة في أرجاء المناطق الشيوعية والوثنية والصهيونية والمسيحية في أنحاء من الأرض شتى . .

وما يزال الجهاد مفروضا عليهم لرد الفتنة إن كانوا حقا مسلمين !
وجاهد الإسلام ثانيا لتقرير حرية الدعوة - بعد تقرير حرية العقيدة - فقد جاء الإسلام بأكمل تصور للوجود والحياة , وبأرقى نظام لتطوير الحياة . جاء بهذا الخير ليهديه إلى البشرية كلها ; ويبلغه إلى أسماعها وإلى قلوبها . فمن شاء بعد البيان والبلاغ فليؤمن ومن شاء فليكفر . ولا إكراه في الدين . ولكن ينبغي قبل ذلك أن تزول العقبات من طريق إبلاغ هذا الخير للناس كافة ; كما جاء من عند الله للناس كافة . وأن تزول الحواجز التي تمنع الناس أن يسمعوا وأن يقتنعوا وأن ينضموا إلى موكب الهدى إذا أرادوا . ومن هذه الحواجز أن تكون هناك نظم طاغية في الأرض تصد الناس عن الاستماع إلى الهدى وتفتن المهتدين أيضا . فجاهد الإسلام ليحطم هذه النظم الطاغية ; وليقيم مكانها نظاما عادلا يكفل حرية الدعوة إلى الحق في كل مكان وحرية الدعاة . .
وما يزال هذا الهدف قائما , وما يزال الجهاد مفروضا على المسلمين ليبلغوه إن كانوا مسلمين !
وجاهد الإسلام ثالثا ليقيم في الأرض نظامه الخاص ويقرره ويحميه . . وهو وحده النظام الذي يحقق حرية الإنسان تجاه أخيه الإنسان ; حينما يقرر أن هناك عبودية واحدة لله الكبير المتعال ; ويلغي من الأرض عبودية البشر للبشر في جميع أشكالها وصورها . فليس هنالك فرد ولا طبقة ولا أمة تشرع الأحكام للناس , وتستذلهم عن طريق التشريع . إنما هنالك رب واحد للناس جميعا هو الذي يشرع لهم على السواء , وإليه وحده يتجهون بالطاعة والخضوع , كما يتجهون إليه وحده بالإيمان والعبادة سواء . فلا طاعة في هذا النظام لبشر إلا أن يكون منفذا لشريعة الله , موكلا عن الجماعة للقيام بهذا التنفيذ . حيث لا يملك أن يشرع هو ابتداء , لأن التشريع من شأن الألوهية وحدها , وهو مظهر الألوهية في حياة البشر , فلا يجوز أن يزاوله إنسان فيدعي لنفسه مقام الألوهية وهو واحد من العبيد !

هذه هي قاعدة النظام الرباني الذي جاء به الإسلام . وعلى هذه القاعدة يقوم نظام أخلاقي نظيف تكفل فيه الحرية لكل إنسان , حتى لمن لا يعتنق عقيدة الإسلام , وتصان فيه حرمات كل أحد حتى الذين لا يعتنقون الإسلام , وتحفظ فيه حقوق كل مواطن في الوطن الإسلامي أيا كانت عقيدته . ولا يكره فيه أحد على اعتناق عقيدة الإسلام , ولا إكراه فيه على الدين إنما هو البلاغ .
جاهد الإسلام ليقيم هذا النظام الرفيع في الأرض ويقرره ويحميه .
وكان من حقه أن يجاهد ليحطم النظم الباغية التي تقوم على عبودية البشر للبشر , والتي يدعي فيها العبيد مقام الألوهية ويزاولون فيها وظيفة الألوهية - بغير حق - ولم يكن بد أن تقاومه تلك النظم الباغية في الأرض كلها وتناصبه العداء . ولم يكن بد كذلك أن يسحقها الإسلام سحقا ليعلن نظامه الرفيع في الأرض . . ثم يدع الناس في ظله أحرارا في عقائدهم الخاصة . لا يلزمهم إلا بالطاعة لشرائعه الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والدولية . أما عقيدة القلب فهم فيها أحرار . وأما أحوالهم الشخصية فهم فيها أحرار , يزاولونها وفق عقائدهم ; والإسلام يقوم عليهم يحميهم ويحمي حريتهم في العقيدة ويكفل لهم حقوقهم , ويصون لهم حرماتهم , في حدود ذلك النظام .
وما يزال هذا الجهاد لإقامة هذا النظام الرفيع مفروضا على المسلمين:
(حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله) . .
فلا تكون هناك ألوهة للعبيد في الأرض , ولا دينونة لغير الله . .
لم يحمل الإسلام السيف إذن ليكره الناس على اعتناقه عقيدة ; ولم ينتشر السيف على هذا المعنى كما يريد بعض أعدائه أن يتهموه ! إنما جاهد ليقيم نظاما آمنا يأمن في ظله أصحاب العقائد جميعا , ويعيشون في إطاره خاضعين له وإن لم يعتنقوا عقيدته .
وكانت قوة الإسلام ضرورية لوجوده وانتشاره واطمئنان أهله على عقيدتهم , واطمئنان من يريدون اعتناقه على أنفسهم . وإقامة هذا النظام الصالح وحمايته . ولم يكن الجهاد أداة قليلة الأهمية , ولا معدومة الضرورة في حاضره ومستقبله كما يريد أخبث أعدائه أن يوحوا للمسلمين ! . .
لا بد للإسلام من نظام ولا بد للإسلام من قوة , ولا بد للإسلام من جهاد . فهذه طبيعته التي لا يقوم بدونها إسلام يعيش ويقود .
(لا إكراه في الدين) . . نعم ولكن: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم . وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) . .
وهذا هو قوام الأمر في نظر الإسلام . . .
وهكذا ينبغي أن يعرف المسلمون حقيقة دينهم , وحقيقة تاريخهم ; فلا يقفوا بدينهم موقف المتهم الذي يحاول الدفاع ; إنما يقفون به دائما موقف المطمئن الواثق المستعلي على تصورات الأرض جميعا , وعلى نظم الأرض جميعا , وعلى مذاهب الأرض جميعا . .
ولا ينخدعوا بمن يتظاهر بالدفاع عن دينهم بتجريده في حسهم من حقه في الجهاد لتأمين أهله ; والجهاد لكسر شوكة الباطل المعتدي ; والجهاد لتمتيع البشرية كلها بالخير الذي جاء به ; والذي لا يجني أحد على البشرية جناية من يحرمها منه , ويحول بينها وبينه . فهذا هو أعدى أعداء البشرية , الذي ينبغي أن تطارده البشرية لو رشدت وعقلت . وإلى أن ترشد البشرية وتعقل , يجب أن يطارده المؤمنون , الذين اختارهم الله وحباهم بنعمة الإيمان , فذلك واجبهم لأنفسهم وللبشرية كلها , وهم مطالبون بهذا الواجب أمام الله . .
gDyCe5m2-L_h7_49KWg-sHEhpu9RfHY-hrSHfXWu3X3mVO3mvm0Y-tVPhxE1dhAvRUpZzmpZGcE934qceUIUAURGG8sPMTVEGTaZO32d-52oOgUHpl4NCRmnsqQWeLDC_1Uafqg
SLsLBqNuBSY5yrmQoXTmHZrPVGuKjjexp-msM96zkc9nVyA__AM5LKl62jHnpSK3nqJsfVL3hLaPqLKhxn_UZO6Fntyek_-Gm-_eYb_wi6RNCwwkSqXk0RPOEqtWkpfRKwGYFy0
cio7SurYe50JIk3uo5_BkXyrVHR_FZPXtnGoyPnf0DYfKsUulWz2g32b34HbX-QOjnk-DTdkIqeVyEAzx6gdqUwV5VUT1uNDQl_Kjv2or23LrshZdfSsTMFg094PGuJBynnRL5Q
9XzbFiovByIizakWAsdnAhPHeO3nOMdvBt2OAhIU8sx75QDfPPB7D0utRV-lsqiAfGgKUjgN_IRfKoz2MnwDBjmQLtDIUNFjqTyEGva7EXOb3obT_Use-hC3ZXMk0TAW5qQlCqE
Ab0lJ0ITKvwGnGWYi6mGh0TmjWKSSJZXBe5qndBt6UYFJchbCc3S-bGN6Mkjzf-QKse_CTAd1PhtBnttG7yQ6-tTzogPTvgS20kNIvLL34r0BUggiJrwAjffAI2cknuKLxLi9fY
aCAskmSw8vARX-06Cnv6I9AvxHsbqKGfB7a1BibcO0Eos-EKoVJ0DXdQmr_f6BONBMikWG--jNcCM82PShZSgZEwT10_4g9lemHfD9-wYwhozcgWHaN8NbIj0j4YdQRhLumXBek
3PxdMjamI9-LDxuRoWmijWk6Umx1zfeFtA7y8gov0miJSAQTnuRKG620llvYfbsxahXWJ82KGgtvkSamoPYfnCAcXc1oYVxM8AhQMVdTf7CfO2mfwPlY-L1_h2hEwpw01iZXDFE
ويقول كذلك :
إن هناك مسافة هائلة بين اعتبار الإسلام على هذا النحو ، واعتباره نظاماً محلياً في وطن بعينه فمن حقه فقط أن يدفع الهجوم عليه في داخل حدوده الإقليمية !
هذا تصور ..
وذاك تصور ..
ولو أن الإسلام في كلتا الحالتين سيجاهد .. ولكن التصور الكلي لبواعث هذا الجهاد وأهدافه ونتائجه ، يختلف اختلافاً بعيداً ، يدخل في صميم الاعتقاد كما يدخل في صميم الخطة والاتجاه .
إن من حق الإسلام أن يتحرك ابتداء . فالإسلام ليس نحلة قوم ، ولا نظام وطن ، ولكنه منهج إله ، ونظام عالم .. ومن حقه أن يتحرك ليحطم الحواجز من الأنظمة والأوضاع التي تغل من حرية " الإنسان " في الاختيار . وحسبه أنه لا يهاجم الأفراد ليكرههم على اعتناق عقيدته ، إنما يهاجم الأنظمة والأوضاع ليحرر الأفراد من التأثيرات الفاسدة ، المفسدة للفطرة ، المقيدة لحرية الاختيار .
من حق الإسلام أن يُخرج " الناس "من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده .. ليحقق إعلانه العام بربوبية الله للعالمين ، وتحرير الناس أجمعين .. وعبادة الله وحده لا تتحقق - في التصور الإسلامي وفي الواقع العملي - إلا في ظل النظام الإسلامي ، فهو وحده النظام الذي يشرع الله فيه للعباد كلهم ، حاكمهم ومحكومهم ، أسودهم وأبيضهم ، قاصيهم ودانيهم ، فقيرهم وغنيهم ، تشريعاً واحداً يخضع له الجميع على السواء .. أما في سائر الأنظمة ، فيعبد الناس العباد ، لأنهم يتلقون التشريع لحياتهم من العباد . وهو من خصائص الألوهية ، فأيما بشر ادعى لنفسه سلطان التشريع للناس من عند نفسه ، فقد ادّعى الألوهية اختصاصاً وعملاً ، سواء ادَّعاها قولاً أم لم يعلن هذا الادعاء . وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية ، سواء سماها باسمها أم لم يسمها !

والإسلام ليس مجرد عقيدة ، حتى يقنع بإبلاغ عقيدته للناس بوسيلة البيان . إنما هو منهج يتمثل في تجمع تنظيمي حركي يزحف لتحرير كل الناس ، والتجمعات الأخرى لا تمكِّنه من تنظيم حياة رعاياها وفق منهجه هو ، ومن ثم يتحتم على الإسلام أن يزيل هذه الأنظمة بوصفها معوقات للتحرير العام ، وهذا - كما قلنا من قبل - معنى أن يكون الدين كله لله ، فلا تكون هناك دينونة ولا طاعة لعبد من العباد لذاته . كما هو الشأن في سائر الأنظمة التي تقم على عبودية العباد للعباد !

إن الباحثين الإسلاميين المعاصرين المهزومين تحت ضغط الواقع الحاضر وتحت الهجوم الاستشراقي الماكر ، يتحرجون من تقرير تلك الحقيقة ، لأن المستشرقين صوروا الإسلام حركة قهر بالسيف للإكراه على العقيدة . والمستشرقون الخبثاء يعرفون جيداً أن هذه ليست هي الحقيقة ، ولكنهم يشوهون بواعث الجهاد الإسلامي بهذه الطريقة .. ومن ثم يقوم المنافحون - المهزومون - عن سمعة الإسلام ، بنفي هذا الاتهام ، فيلجؤون إلى تلمس المبررات الدفاعية ! ويغفلون عن طبيعة الإسلام ووظيفته ، وحقه في " تحرير الإنسان " ابتداء .
وقد غشى على أفكار الباحثين العصريين - المهزومين - ذلك التصور الغربي لطبيعة " الدين " ..
وإنه مجرد " عقيدة " في الضمير ، لا شأن لها بالأنظمة الواقعية للحياة . ومن ثم يكون الجهاد للدين ، جهاداً لفرض العقيدة على الضمير !

ولكن الأمر ليس كذلك في الإسلام ، فالإسلام منهج الله للحياة البشرية ، وهو منهج يقوم على إفراد الله وحده بالألوهية - متمثلة في الحاكمية - وينظم الحياة الواقعية بكل تفصيلاتها اليومية ! فالجهاد له جهاد لتقرير المنهج وإقامة النظام . أما العقيدة فأمر موكول إلى حرية الاقتناع ، في ظل النظام العام ، بعد رفع جميع المؤثرات .. ومن ثم يختلف الأمر من أساسه ، وتصبح له صورة جديدة كاملة
وحيثما وجد التجمع الإسلامي ، الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي ، فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام ، مع ترك مسألة العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان ، فإذا كف الله أيدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد ، فهذه مسألة خطة لا مسألة مبدأ ، مسألة مقتضيات الحركة لا مسألة عقيدة .. وعلى هذا الأساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص القرآنية المتعددة ، في المراحل التاريخية المتجددة ، ولا نخلط بين دلالتها المرحلية ، والدلالة العامة لخط الحركة الإسلامية الثابت الطويل .
tPRTajF1GCLgG6mwYeBdvwdWsdze5Humc_vJUsF-EiuQnUuh0kXDdi1iat5NSYO9KzwpkCf4IGAw_z4a2bpWfD9SyhOjEyy8DN4on9dU0bwZ3B874MWpD8h_AvJhhj9Z7cRN2kg
UZDsrHP8gPEKW4cq3Ta_2vuGJcW3LgSJnJ0RzefF-PdfFScgYJMxUotyS3ngKUgK4LQb5SBm6EUZN_Jq9ENYnP6wScAAvD__-9IIFDxyRzOrk2tRFoqhrpaeYoWolvFZUQwoQsE
**
ويقول عند قوله تعالى :
Yc7vjv7WL_6yziPJmY_gU_Ct8Zc1EOtXChYCA8ZdPCLkg2oxpjpPMnXuIZin7V95--WdjAGFUUmG766TD0rWh9w24ntUhlBPaGYfx1LRAKU3v6PxegFtT6P2N9LxsHu8CYk9v6Q
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
I5iEVaDBB1DaYiHhJgstV5rH85hTi1KffGZXZB3i9tKcb5Z--U3QeMaL-sa1IYNAIDOsrh-kumWqQUU_zPRewRbIHh_Oy3uLIJaEHYUSGjoh7jL3VfPxzcJZnL7sUHK7yy70Eqk
(33) سورة التوبة

إن أهل الكتاب هؤلاء لا يقفون عند حد الانحراف عن دين الحق , وعبادة أرباب من دون اللّه . وعدم الإيمان باللّه واليوم الآخر - وفق المفهوم الصحيح للإيمان باللّه واليوم الآخر - إنما هم كذلك يعلنون الحرب على دين الحق ; ويريدون إطفاء نور اللّه في الأرض المتمثل في هذا الدين , وفي الدعوة التي تنطلق به في الأرض , وفي المنهج الذي يصوغ على وفقه حياة البشر . .
(يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم) . .
فهم محاربون لنور اللّه . سواء بما يطلقونه من أكاذيب ودسائس وفتن ; أو بما يحرضون به أتباعهم وأشياعهم على حرب هذا الدين وأهله , والوقوف سداً في وجهه - كما كان هو الواقع الذي تواجهه هذه النصوص وكما هو الواقع على مدار التاريخ .
وهذا التقرير - وإن كان يراد به استجاشة قلوب المسلمين إذ ذاك - هو كذلك يصور طبيعة الموقف الدائم لأهل الكتاب من نور اللّه المتمثل في دينه الحق الذي يهدي الناس بنور اللّه .
(ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . .
وهو الوعد الحق من اللّه , الدال على سنته التي لا تتبدل , في إتمام نوره بإظهار دينه ولو كره الكافرون . .
وهو وعد تطمئن له قلوب الذين آمنوا ; فيدفعهم هذا إلى المضي في الطريق على المشقة واللأواء في الطريق ; وعلى الكيد والحرب من الكافرين [ والمراد بهم هنا هم أهل الكتاب السابق ذكرهم ] . .
كما أنه يتضمن في ثناياه الوعيد لهؤلاء الكافرين وأمثالهم على مدار الزمان !
ويزيد السياق هذا الوعيد وذلك الوعد توكيداً:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , ولو كره المشركون) . .
وفي هذا النص يتبين أن المراد بدين الحق الذي سبق في قوله تعالى:(قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) . .
هو هذا الدين الذي أرسل اللّه به رسوله الأخير . وأن الذين لا يدينون بهذا الدين هم الذين يشملهم الأمر بالقتال . .
وهذا صحيح على أي وجه أوّلنا الآية . فالمقصود إجمالاً بدين الحق هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع - وهذه هي قاعدة دين اللّه كله , وهو الدين الممثل أخيراً فيما جاء به محمد -
u_sWIYCFx-_sghRLMuAOw2rptjopbTLw1dV_6qZfMh5PNj54k46z6W5W4chT7i5uHDxR1-o62nzw9ZcaDhpdvL-yd3clejhOaPK7rvMuTBQIOjB9D0khvGhj-uNvCO0WRj0dbsg
- فأيما شخص أو قوم لم يدينوا للّه وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع مجتمعة ; انطبق عليهم أنهم لا يدينون دين الحق , ودخلوا في مدلول آية القتال . .
مع مراعاة طبيعة المنهج الحركي للإسلام , ومراحله المتعددة , ووسائله المتجددة كما قلنا مراراً .
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , ولو كره المشركون) . .
وهذا توكيد لوعد اللّه الأول: (ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) . .
ولكن في صورة أكثر تحديداً . فنور اللّه الذي قرر سبحانه أن يتمه , هو دين الحق الذي أرسل به رسوله ليظهره على الدين كله .
ودين الحق - كما أسلفنا - هو الدينونة للّه وحده في الاعتقاد والعبادة والتشريع مجتمعة . وهو متمثل في كل دين سماوي جاء به رسول من قبل . .
ولا يدخل فيه طبعاً تلك الديانات المحرفة المشوبة بالوثنيات في الاعتقاد التي عليها اليهود والنصارى اليوم . كما لا تدخل فيه الأنظمة والأوضاع التي ترفع لافتة الدين , وهي تقيم في الأرض أرباباً يعبدها الناس من دون اللّه , في صورة الاتباع للشرائع التي لم ينزلها اللّه .
واللّه سبحانه يقول:إنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . . ويجب أن نفهم "الدين" بمدلوله الواسع الذي بيناه , لندرك أبعاد هذا الوعد الإلهي ومداه . .
إن "الدين" هو "الدينونة " . .
فيدخل فيه كل منهج وكل مذهب وكل نظام يدين الناس له بالطاعة والاتباع والولاء . .
واللّه سبحانه يعلن قضاءه بظهور دين الحق الذي أرسل به رسوله على "الدين" كله بهذا المدلول الشامل العام !
إن الدينونة ستكون للّه وحده . والظهور سيكون للمنهج الذي تتمثل فيه الدينونة للّه وحده .
ولقد تحقق هذا مرة على يد رسول اللّه -
0CzpsD7W5onBAsGnt_szr2MDXVBHWjWigBNeFF62DKAFFU3qtvL9jCLX44tWWFvZyrh1wA9xLizsSbf1n19TuGA3VO-QrRqsLs1ZMc-Wx34NFu3xy40CAJ9XKZpb-M1SssMLqBY
- وخلفائه ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان . وكان دين الحق أظهر وأغلب ; وكانت الأديان التي لا تخلص فيها الدينونة للّه تخاف وترجف ! ثم تخلى أصحاب دين الحق عنه ; خطوة فخطوة بفعل عوامل داخلة في تركيب المجتمعات الإسلامية من ناحية وبفعل الحرب الطويلة المدى , المنوعة الأساليب , التي أعلنها عليه أعداؤه من الوثنيين وأهل الكتاب سواء . .
ولكن هذه ليست نهاية المطاف . .
إن وعد اللّه قائم , ينتظر العصبة المسلمة , التي تحمل الراية وتمضي , مبتدئة من نقطة البدء , التي بدأت منها خطوات رسول اللّه -
cCZs9IiXnmZp9j-0pkSAeQ9fkg-KKtZsRpX6Atf5oPZcIp7Unx-CF_kfNnCGgyOTdXN_P0YVneSIXlbpWqHu9IaS2SylOFnnmdEzqXNfG2sYXPc57wygSqywNyvUrLe0VDc6aDY
- وهو يحمل دين الحق ويتحرك بنور اللّه . .
pPB_3VFAVQ3z0Wc_I07yAE_y9YNHF8ojkaxbyrWPIzxK-jxGXEpFnHxSCuYEyw6ELdlU-hy_s7DA2CO3Fvz7h55WLFAEUj8sofYrLz1B4QKqlQmeeMwimeN6QiAhraFNL4W3wCY
xv_YJnHD3n62gZgNQb6GBqBVQtdtAzggu_RF7fg-SCNIdK6H7GuydG_o68GVb75YfLf72YDcHykfY3xTKE_SROWji7lG9LLhBKjh9yPANFKD9Wv36PinEku8lI6k6eScAI3arPU
rW_dESmsD4rgWECTYX0R8Sbcl0Y0SI4wn-rasetBjLFTCYEunycwACkIxg1Xwq1KdvIQRTnEMWn9QmN918NRnmreSajhJZSf9sm3iu_SylMaenfm5gcZAarU01qecZ2KEdhu7Cw
HF7JAkdXkH39UvrJi0AR2cO0ue_yProU8PaH0Xkosw_yvaRnTAhxK8DZez-jvHYmAEpDSUvf1_hcWrSPVRlQblrMjlYs5A_MdrIT_Hes7huKyy7IvZpMQ4VKa2hsUuH_InotPqI
*
قال تعالى :
_5rsAuiYMevfsn7JJn_fIkbq4E8qLCnLPRmGbc6VC4T1CVoFAwUcEEGcnW5-en_wcnDBqckEfAeS8pEQkmUdgFizA38R14j5qxRnifg4UR5RD2vCm6hRgmUNTtCDn1_R-r1bSc4
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
Hfhd8rvy52UqUWGr0ov3sY7Uj6FMye7LLMvooiZQWKnqO7PT1wc-1Ndp7eZ0rj-TBtD6G59t_MQd5w0schStYDM_enN9AOd8oY8ibfG1GcL7AX5QiVv20aSlidGtB9NJ_-mjHYk
(35) سورة المائدة
 
التعديل الأخير:

didiomar

كاتب جديد
رد: مفهوم الجهاد في سبيل الله .. سيد قطب..

جزاك الله خير
 

مواضيع مماثلة

أعلى