دون صندوق البريد -القمر- لن نكتشف أبدًا وصول مثل هذه معلومات

أعلنت ناسا حديثًا عن برنامج أرتميس Artemis لاستكشاف القمر، والذي يتضمن خطةً للهبوط على سطح القمر بحلول عام 2024، وبناء قاعدة دائمة هناك بحلول 2028. تعيد هذه المبادرة الطموح السؤال القديم إلى الأذهان: هل يمكن أن تساعد الخصائص الفريدة لسطح القمر على فتح آفاق جديدة في علم الفلك؟

يفكر العلماء منذ عقود في طرق لاستغلال غياب الغلاف الجوي للقمر في عملية رصد الفضاء.

أولًا: لا يوجد ما يحجب الجسيمات النشطة، مثل: أشعة جاما، أو الأشعة السينية، أو الأشعة فوق البنفسجية، أو الأشعة الكونية كما هو الحال على كوكب الأرض، بل ستصل إلى التليسكوبات حال تركيبها على سطح القمر.
ثانيًا: المراصد الحساسة للضوء، والأشعة تحت الحمراء، والموجات الميلليمترية، وموجات الراديو، ستصل إلى حد الانحراف دون حدوث التشوه أو الامتصاص المرتبط بالمرور عبر اضطرابات الهواء، وبذلك تستطيع الأجهزة الكاشفة تكوين مقاييس تداخل كبيرة بجودة زاوية غير مسبوقة.

ثالثًا: سيسمح غياب طبقة الأيونوسفير ionosphere للمراصد الراديوية باستقبال إشارات منخفضة التردد بدرجة أقل من معدل القطع الأرضي البالغ 10 كيلوهرتز، مما سيفتح نافذة طيفية جديدة على الكون، إذ يسمح بتحديد التوزيع ثلاثي الأبعاد لذرات الهيدروجين منذ ظهورها الأول بعد 0.4 مليون سنة من الانفجار العظيم وحتى الفجر الكوني، باستخدام خط 21 سنتيمتر ذي الإزاحة الحمراء العالية. جميع هذه الأفكار مثيرة ورائدة في مجالها، ولكنها صيغت قبل تبلور علم الأحياء الفلكية astrobiology، المعنيِّ بالبحث عن الحياة في الفضاء الخارجي.

إذن، هل يمكن للقمر أن يمدنا بأدلة على وجود حياة فضائية؟ تجيب ورقة بحثية جديدة، أعدها أبراهام ليوب Abraham Loebوماناسفي لينجام Manasvi Lingam، بالإيجاب. تكمن الفكرة في اعتبار سطح القمر بمثابة شبكة صيد للأجسام البين-نجمية Interstellar المتجمعة مع مرور الزمن، والتي من المحتمل أن تنقل اللبنات الأساسية للحياة من بيئات صالحة للحياة حول النجوم الأخرى.

يضمن غياب الغلاف الجوي أن هذه «الرسائل» ستصل إلى سطح القمر دون أن تحترق، إضافةً إلى أن الخمول الجيولوجي للقمر يضمن الحفاظ على السجلات الموجودة على سطحه دون أن تختلط مع مكوناته الداخلية. وقد وجدنا بالفعل أن القمر سجل كل الأجسام المصطدمة بسطحه على مدار مليارات السنين. معظم هذه الرسائل/ البقايا أتت من داخل النظام الشمسي.

لكن النظام الشمسي يعترض أجسامًا من الفضاء البين-نجمي أيضًا، بدءًا من جزيئات الغبار حتى الكواكب السيارة والنجوم. رُصد أول جسم بين-نجمي سنة 2017، وهو النيزك أوموموا Oumuamua الذي بلغ طوله 100 متر، واكتُشف هذا العام قريب لأوموموا وهو نيزك قادم من خارج نظامنا الشمسي، واحترق فور عبوره الغلاف الجوي للأرض سنة 2014، كذلك اكتُشف حديثًا زائر بين-نجمي آخر
مع أخذ حجم البحث ومدة الاستطلاع الذي قدم هذه الاكتشافات في الاعتبار، نجد أنه من الممكن لأول مرة قياس تدفق الأجسام البين-نجمية، بافتراض دخولها النظام الشمسي من مسارات عشوائية، وباستخدام هذا القياس يمكن حساب كمية المواد البين-نجمية المجمعة على سطح القمر خلال تاريخه.

يمكن أيضًا رصد تراكم المواد البين-نجمية فعليًّا، إذ تفيد الورقة البحثية التي أعدها ليوب مع طالب الفلك أمير سراج Amir Siraj، أن تليسكوبًا بقطر مترين باستطاعته رصد التصادمات البين-نجمية بسطح القمر وهو في مداره حول القمر.

يمكن استخراج العلامات الحيوية التي تدل على وجود حياة فضائية بتحليل عينات من تربة القمر، إذا كانت التصادمات البين-نجمية حملت بعض لبنات الحياة الفضائية. لكن لا يمكن الاعتماد في هذا الأمر على العينات القمرية التي وصلت إلى الأرض مع بعثة أبوللو، لأنها من المحتمل أن تكون قد تلوثت بالحياة الأرضية، والبديل هو الاعتماد على قاعدة أبحاث مخصصة لهذا الشأن على القمر.

يمكن للعلامات الحيوية المستخلصة من حطام المواد القادمة من المناطق الصالحة للحياة حول النجوم الأخرى أن تطلعنا على طبيعة الحياة الفضائية.

والسؤال المهم: هل تتشابه هذه الحياة البعيدة في البنية الكيميائية الحيوية مع الحياة الموجودة على كوكب الأرض؟ قد تعني التشابهات أن الطرق الكيميائية التي تكوِّن الحياة واحدة في كل مكان، أو أن الحياة انتقلت عبر الأنظمة النجمية. أيًّا كان الأمر، فإن دراسة سطح القمر تختصر الطريق، بدلًا من إرسال مركبات فضائية في بعثات طويلة لزيارة الأنظمة النجمية الأخرى.
إن الحصول على معلومات مشابهة من بعثة إلى رجل القنطور Alpha Centauri، وهو أقرب نظام نجمي لنا، سيستغرق نحو 9 سنوات، في حال كانت المركبة الفضائية تتحرك بأقصى سرعة تسمح بها الطبيعة وهي سرعة الضوء، نصف هذه المدة تحتاج إليها المركبة للوصول إلى وجهتها والنصف الآخر حتى تصل البيانات إلينا. أما في حالة الصواريخ الكيميائية chemical rockets ستستغرق تلك الرحلة نحو 100 ألف سنة، وهي نفس المدة الزمنية منذ بدأ الإنسان الأول هجرته من أفريقيا حتى الآن، لذلك نجد أن التنقيب عن أدلة الحياة الفضائية على سطح القمر أسرع كثيرًا.

بناءً على تدفق الأجسام البين-نجمية المحتسب حديثًا، يُفترض أن حطام هذه الأجسام يكوِّن نحو 30 جزءًا من المليون من مادة سطح القمر، وقد تكوِّن المواد العضوية القادمة من خارج المجموعة الشمسية بضعة أجزاء من 10 مليون جزء، أما الأحماض الأمينية التي تكوِّن لبنات الحياة المعروفة قد تشكل بضعة أجزاء من 100 مليار جزء. يمكن استخدام تقنية المناظير الطيفية spectroscopic القياسية في اختبار حبيبات التراب القمري، للبحث عن بصمات معينة لتحديد البين-نجمي منها، قبل الكشف عن لبنات الحياة الفضائية فيها.

لكن كيف نتعرف على الأجسام القادمة من خارج النظام الشمسي؟ أبسط علامة هي انحراف نظائرIsotopes الأكسجين والكربون والنيتروجين عن النسبة الشمسية المعروفة، وقد أظهرت المختبرات إمكانية تطبيق هذه الطريقة على مستوى عال من الحساسية والدقة.

أيضًا ثمة فرصة مثيرة لاكتشاف علامات حيوية تدل على حياة فضائية منقرضة، فقد وُجدت حفريات دقيقة microfossils على الأرض وبها دليل قاطع على خلايا عاشت قبل 3.4 مليار سنة في تكويناتStrelley Pool الصخرية غرب أستراليا، سيكون أمرًا مدهشًا أن نكتشف حفريات دقيقة بها أدلة على نمط من أنماط الحياة الفضائية على سطح القمر. والأكثر إثارة هو أن نكتشف آثارًا لمعدات تكنولوجية اصطدمت بالقمر قبل مليارات السنوات، وسيكون هذا بمثابة رسالة واضحة تدل على وجود حضارة فضائية.

من دون التحقق من صندوق البريد -القمر- لن نكتشف أبدًا وصول مثل هذه الرسالة.