الرجل ضحية الفقر والاكتئاب..!!

توصلت دراسة بريطانية حديثة إلى أنه من المحتمل أن العديد من الرجال في المملكة المتحدة وفي أجزاء أخرى من العالم ما زالوا يشعرون بالمسؤولية عن تحقيق حاجيات أسرهم ودعمها، مما يصيبهم بالاكتئاب، مشيرة إلى أن الاكتئاب هو السبب الرئيسي للعجز في جميع أنحاء العالم، ويتقدم في ذلك على أمراض القلب والشرايين، وإذا ترك دون علاج يمكن أن يؤدي إلى تعاطي المخدرات والقلق وحتى الانتحار. كما يؤثر الاكتئاب على أكثر من 300 مليون نسمة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وكشفت الدراسة  أن العيش في منطقة فقيرة ومحرومة يؤثر على حالة الرجال النفسية ويؤدي إلى إصابتهم بالاكتئاب أكثر من النساء، منبهة إلى أن سمات المجتمعات التي يعيش فيها الإنسان يمكن أن يكون لها تأثير عميق على رفاهه العقلي.
وقال المشرفون على الدراسة إن دراسات سابقة أظهرت أن العيش في مجتمعات تعتبر محرومة يمكن أن يؤدي بالناس في هذه المناطق إلى تقييم صحتهم على أنها غير مثالية ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة المبكرة.
وأضافوا موضحين “أردنا في دراستنا الجديدة معرفة ما إذا كان العيش في منطقة فقيرة يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية للرجال والنساء، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية لكل منهم. وإذا أخذنا في الاعتبار الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأفراد، مثل التعليم والطبقة الاجتماعية، فهل بيئة إقامة الشخص ما زالت تؤثر على حالته النفسية؟”.
وللإجابة عن هذا الإشكال، استخدم الباحثون بيانات من واحدة من أقدم دراسات المملكة المتحدة حول الصحة والمرض المزمن ونمط حياة الأشخاص، وشملت الدراسة أكثر من 20 ألف شخص أكملوا استبيانات مفصلة حول صحتهم النفسية وتاريخهم الطبي.
وبعد خمس سنوات من قياس مستويات الحرمان، أكمل المشاركون استبيانا نفسيا اجتماعيا لتحديد ما إذا كان لديهم اضطراب اكتئابي كبير. وباستخدام التقنيات الإحصائية، تم فحص العلاقة بين الحرمان والاكتئاب من خلال مراعاة التاريخ الطبي والتعليم والطبقة الاجتماعية وغيرها من العوامل الهامة.
وأظهرت الدراسة أن العيش في منطقة محرومة يؤثر على صحة الناس النفسية، على الأقل بالنسبة إلى الرجال، حيث وجدت أن الرجال الذين يعيشون في المناطق الأكثر حرمانا كانوا أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 51 بالمئة مقارنة بالأشخاص الذين يعيشون في المناطق الأخرى، وفي مقابل ذلك لم تتوصل نتائج الدراسة إلى التأثير نفسه بالنسبة إلى النساء.
وأفاد الباحثون بأنه من المحتمل أن العديد من الرجال في المملكة المتحدة وفي أجزاء أخرى من العالم ما زالوا يشعرون بالمسؤولية عن تحقيق حاجيات أسرهم ودعمها.
وأشارت دراسة حديثة تمحورت حول خطر الاكتئاب بين الرجال والنساء إلى أن الرجال أكثر تأثرا بالفشل في المهام التي يعتبرونها أساسية، مثل الإنجازات المهنية المتوقعة والفشل في توفير موارد الأسرة.
وأظهرت الأبحاث أن الرجال -على ما يبدو- أكثر حساسية تجاه بعض الضغوط في محيطهم مقارنة بالنساء، مثل الضغوط المتعلقة بالعمل والشؤون المالية.
وفي مقابل ذلك تتأثر مستويات الاكتئاب لدى المرأة بدرجة أكبر من الضغوط الناتجة عن العلاقات وعن الشبكات الاجتماعية المندمجة فيها، ويمكن لعوامل مثل الافتقار إلى دفء الوالدين والرضا عن العلاقة الزوجية على سبيل المثال، أن تؤثر على صحة المرأة النفسية.
وقال الباحثون إن العديد من العوامل تفسر هذا الموقف، ولكن في المملكة المتحدة الرجال أكثر عرضة للانتحار ثلاث مرات مقارنة بالنساء، لذلك من المهم البحث عن الأسباب العميقة التي تؤدي إلى معاناة الرجال.
كما أن دراسة أجريت من قبل فريق من الأطباء النفسيين في ألمانيا حول وجود فوارق بين الرجال والنساء في التعامل مع الضغوط النفسية، بينت أن الرجال لا يفضلون التحدّث عن همومهم وضغوطهم النفسية.
وقال المختص في الطب النفسي بجامعة دريسدن، البروفسور الألماني كليمنس كيرشباوم، “إذا تحدثت مثلا مع مصرفي أو مدير شركة، فسيقول لك إنه طالما هو ناجح في عمله فإنه لا يعرف الهموم”.
ويضيف هذا المصرفي “يشعر بالطبع بضغوط ولكنه يعتقد أنه ما زال قادرا على السّيطرة عليها”. لكن إذا اشتدت الأزمة، فسيتضح أن هذا الرجل يعاني من هموم متراكمة على مدى السنين”.
ويشير كيرشباوم إلى أن النساء سرعان ما يصارحن أقرب المحيطين بهنّ بهمومهن ويحاولن معالجة هذه الضغوط النفسية من خلال البحث عن دعم من قبل أصدقائهن وأقاربهن، على عكس الرجال الذين يعتقدون دائما أن الوضع ما زال تحت السيطرة، مشدّدا على أنه بإمكان الرجال تعلّم الكثير من النساء في ما يتعلق بطريقة السيطرة على الهموم.
وكشفت نتائج الدراسة أنه على الرغم من أن النساء أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة بالرجال في المناطق المحرومة، إلا أن دراسات أخرى أظهرت أنهن أكثر عرضة للإصابة بالقلق، مشيرة إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من العمل بشأن تأثير البيئة السكنية على الصحة النفسية من منطلق النوع الاجتماعي.
كما نبهت إلى أن الكثير من الناس يكافحون الفقر، ويعتبر الاكتئاب أحد الأسباب الرئيسية للعجز في جميع أنحاء العالم، خاصة أن 50 بالمئة من المصابين بالاكتئاب في البلدان الغنية لا يحصلون على علاج، كما أن حوالي 80 بالمئة من الذين يعانون من الاكتئاب ينتمون إلى البلدان النامية وغالبا ما تكون أنظمة الرعاية الصحية في تلك البلدان أقل بكثير من مثيلاتها في أوروبا.
ويمكن أن تساعد معرفة كيفية تأثر الرجال والنساء ببؤس العيش والحرمان على الاهتمام بعلاج صحتهم النفسية، ويعتبر ذلك خطوة قيّمة نحو مستقبل أفضل، وحياة دون مشاكل.