الطريق لقلب الرجل

هل الطريق الي قلب الرجل هو حقا معدته؟ هذه العبارة المفتري عليها تغضب صديقاتي المثقفات العاملات المتحررات لأنها توحي لهن بأن قيمة الزوجة الفعلية هي قدرتها علي ارتداء مريول المطبخوالتفنن في اعداد الطعام. والحقيقة هي انني اكره التعميم لأنه تسطيح لمعاني التجربة الانسانية.

 فبين الابيض والاسود عشرات الدرجات من الظلال والالوان. وبما انني احب اعداد الطعام بقدر مساو لحبي لقراءة الادب والانصات الي الموسيقي وتبادل المعرفة مع احبائي لا اشعر بأن دخول المطبخ هو اعتداء علي مكانتي كانسان. ولعل استعداد زوجي الدائم للتعامل مع حالاتي المزاجية التي لا تفسير واضح لها هو العامل المساعد علي استمرار حبي لاعداد الطعام. فما من مرة اعلنت فيها أنني متعبة ولا رغبة لدي في اعداد طعام الا وقال: فلنخرج لتناول العشاء , وان فضلت البقاء في البيت فلنختار معا ما يمكننا شراؤه من مطعم قريب ليأتينا الي البيت. وان لم ترق لك هذه الفكرة او تلك فلنتناول شيئا خفيفا من الجبن والفاكهة. مهما كانت حالتي المزاجية اجدها تتراجع ويحل محلها ارتياح وامتنان واحساس بالمشاركة الوجدانية. اليوم اريد ان شارككم طرفة فسرت لي معني العبارة التي بدأت بها حديثي معكم.. فقد دعينا, زوجي وانا وشقيقه الاكبر وزوجته الي بيت شقيقة زوجي علي عشاء. وحين جلسنا الي الطعام لاحظت كما لاحظت زوجة شقيق زوجي ان زوجي وزوجها يقبلان علي الطعام بشهية غير مسبوقة وقد ارتسمت علي وجه كل منهما تعابير المتعة والسرور والجذل الصبياني. فتهامسنا متسائلات خوفا من ان يفسر اقبال ازواجنا علي طعام أختهم علي انه قصور عندي وعندها في تحضير الطعام. ولذلك قررنا ان نكون انا وهي جبهة متحدة للاستقصاء . فانفردنا بالشقيقة صاحبة الدعوة وسألناها مباشرة لماذا يقبل اخواها علي طعامها اكثر من اقبال كل منهما علي الطعام في بيته وكأنها وضعت لهما في الطعام تعويذة سحرية. فاذا بها تضحك وتسخر من مخاوفنا وتقول ببساطة: ان طبخها يذكر اخويها بأمهم لأنهاـ اي الشقيقة- تعلمت الطبخ من امها. ارتاح قلبي قليلا لهذا التفسير وقررت ان اخوض المعركة الي اخرها. فأجريت بحثا صغيرا عن علاقة الطفل بالام. فاكتشفت ان المخلوق الصغير حين يخرج الي الحياة فتتلقفه الدنيا بصخب الاصوات وملمس القماش الخشن يرفع عقيرته بالبكاء فتلقمه الام ثديها فتكون تلك هي المتعة الاولي التي تعوضه بها الدنيا عن امان الرحم وهدوئه. الطعام ومصدره الام اذن هو جواز مرور الانسان الي الحياة الدنيا . مهما كبر واستقل يذكره تناول الطعام بحضن امه واحساسه بالامان علي صدرها . ويصبح اقباله علي طعام اعدته هو تأكيد لحب البقاء واستمرار الحياة. نادرا ما تري وجها عابسا حول مائدة الطعام. وقد اعترفت ثقافتنا بفضل المشاركة في الطعام بحيث اصبح تقاسم العيش والملح ايذانا بالوفاء والاخلاص بين الشريكين. لم اذكر لزوجي الحديث الذي دار بيني وبين اخته. وقررت ان اعمل بمثل انجليزي تعلمته اثناء الدراسة. المثل يقول: ان لم تستطع ان تغلبهم انضم اليهم. وهذا هو ما فعلت بالتحديد. بعد ايام من دعوة العشاء هاتفت شقيقة زوجي وقلت لها اريد ان ازورك في مطبخ لاتعلم منك بالتفصيل كيفية اعداد كذا وكذا من الطعام الذي قدمتيه علي مائدتك.وقد كان. وكم كانت سعادتي حين اعددت شركسية الدجاج وقدمتها لزوجي فلمعت عيناه وقال: تفوقت علي نفسك يافوزية. الشركسية مذاقها مثل شركسية امي تماما. وهكذا قطعت شوطا من الطريق, لا الطريق كله الي قلبه. فالطريق الي القلب مفروش بعشرات التفاصيل الصغيرة التي تميز كل انسان عن انسان اخر. ولا توجد بصمة مطابقة لبصمة اخري. وتلك هي عظمة خلق الله